بقلم: علي تستاوت
تمثل الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية نموذجاً فريداً في مسار التنمية المستدامة، حيث استطاعت المملكة تحويل الصحراء من منطقة هامشية إلى قطب اقتصادي واعد يوازن بين النمو الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، وحماية البيئة.
منذ إطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية سنة 2015 برؤية ملكية سامية، تم تنفيذ مشاريع كبرى في مجالات البنيات التحتية، الطاقات المتجددة، الاقتصاد البحري، والسياحة البيئية. وقد تجلت النتائج اليوم في طفرة عمرانية وتنموية غير مسبوقة، جعلت من مدن مثل العيون والداخلة نماذج في التعمير المستدام والتخطيط الذكي القائم على العدالة المجالية.
بفضل موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية، أصبحت الصحراء المغربية مركزاً استراتيجياً لإنتاج الطاقة النظيفة. فمشاريع الطاقة الريحية في طرفاية والداخلة، ومحطات الطاقة الشمسية في السمارة وبوجدور، تضع المملكة في مصاف الدول الرائدة في التحول الطاقي الإفريقي، وتُسهم في تقليص انبعاثات الكربون وتوفير مناصب شغل خضراء للشباب المحلي. كما تُعد سواحل الصحراء المغربية على المحيط الأطلسي من الأغنى بالثروات السمكية، ما يجعلها محركاً رئيسياً للاقتصاد البحري. وقد تم إطلاق مشاريع الموانئ الكبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي الذي يُرتقب أن يكون نقطة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وأن يساهم في تعزيز التبادل التجاري والقدرات اللوجستية للمملكة.
تولي الدولة المغربية اهتماماً خاصاً للبعد الإنساني والبيئي في الصحراء، عبر برامج لحماية الواحات، تثمين الموارد المائية النادرة، وتشجيع الفلاحة المستدامة. كما يتم دعم المقاولات المحلية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني لضمان توزيع عادل لثمار التنمية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. وفي خطوة محورية، تبنّى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم 31 أكتوبر 2025 قراراً يؤكد أن خطة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة المغربية تشكّل الأساس الأكثر جدية وواقعية وقابلية للتنفيذ لحلّ النزاع الإقليمي حول الصحراء. وقد صوّت لصالح القرار 11 عضواً من مجلس الأمن، فيما امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، في حين امتنعت الجزائر عن المشاركة. ويُعدّ هذا القرار دعماً دولياً قوياً للمقاربة المغربية التي تربط التنمية بالاستقرار، ويعزز مناخ الثقة لدى المستثمرين والشركاء الدوليين في المشاريع الاستراتيجية بالأقاليم الجنوبية.
ويعود الفضل في هذا التحول الكبير إلى الرؤية الحكيمة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من تنمية الأقاليم الجنوبية أولوية وطنية، وجسّد مفهوم الجهوية المتقدمة في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فقد حرص جلالته على إطلاق مشاريع مهيكلة كبرى، ومتابعة تنفيذها ميدانياً، مع التأكيد الدائم على أن الإنسان الصحراوي هو محور كل تنمية ومستفيدها الأول. كما جسّد جلالته، عبر سياسته الإفريقية المتوازنة، مكانة الصحراء المغربية كبوابة للتعاون جنوب–جنوب، ومجال استراتيجي لتقوية روابط المغرب بعمقه القاري.
من شأن هذا الدعم الدولي أن يُسهم في تسريع وتيرة المشاريع التنموية في الصحراء، من خلال تخفيف المخاطر السياسية وفتح آفاق تعاون أوسع في مجالات البنى التحتية، الطاقة، والمياه. كما أنه يعكس اعترافاً ضمنياً بالجهود التي بذلتها المملكة لجعل التنمية المستدامة في الأقاليم الجنوبية نموذجاً قارياً يحتذى به في إفريقيا.
إن التجربة المغربية في تنمية الصحراء تمثل اليوم مرجعاً في دمج البعد البيئي بالاقتصادي والاجتماعي تحت مظلة رؤية استراتيجية تجعل الإنسان محور التنمية. فالصحراء المغربية لم تعد فقط رمزاً للوحدة الوطنية، بل أصبحت مختبراً عملياً لمفهوم التنمية المستدامة في إفريقيا، ومجالاً واعداً للتكامل بين الإرادة السياسية والرؤية البيئية والمشاريع الاقتصادية الكبرى.
علي تستاوت
خبير في الهندسة المدنية و البناء
باحث في التنمية المستدامة
مدير مكتب للدراسات و الأبحاث
مستشار استراتيجي بالهيئة الدولية للدبلوماسية الموازية
