What Europe Refuses to Eat for Its Health… Moroccans Consume for Tradition
في عالمٍ يُقاس فيه الغذاء بالمخبر لا بالنيّة، يجد الزيتون المغربي نفسه أمام اختبارٍ أوروبيٍّ جديد، ويجد بلدٌ كامل نفسه أمام مرآةٍ تعكس سؤالًا واحدًا:
أين تنتهي الزراعة وتبدأ المسؤولية؟
كلّما اكتشف الأوروبي مادة محظورة في منتوجٍ مغربي، اكتشف المغربي مادة أخطر في منظومته… اسمها “اللامسؤولية”.
في أوروبا يتحرك المختبر ، وفي المغرب تتحرك التعليقات .
وبين دفعة زيتونٍ رفضتها فرنسا ، وصمتٍ مغربيٍّ مغموسٍ بالبركة ، تتكرّر القصة ذاتها: نزرع بإتقان، ونحصد بالتغاضي.
فرنسا تتحرك عند أول إشارة خطر .
أما في الضفة الأخرى من المتوسط، فالصمت هو أول ردّ فعل.
إنذارٌ أوروبيٌّ صادر عن نظام RASFF كشف عن دفعة زيتونٍ مغربيٍّ تحتوي على مادة “كلوربيريفوس إيثيل”
(Chlorpyrifos-ethyl)، فاختُزل المشهد كله في مفارقةٍ واحدة: بلدٌ يُتقن الزراعة، وينسى المراقبة.
المبيد الذي حظره الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020، بسبب تأثيره الخطير على الجهاز العصبي ونموّ الدماغ لدى الأطفال، ظهر بنسبةٍ تفوق الحدّ المسموح به بثلاث مرّات.
وبمجرد أن رصدته السلطات الفرنسية، أُطلقت صافرة الإنذار، وسُحبت الدفعة من السوق فورًا.
أما في المغرب، فظلّ الخبر يُقرأ ببرودةٍ رسمية، كأنه لا يعني أحدًا.
الزيتون الذي رفضته باريس خوفًا على المستهلك، وجد مكانه في الحكاية، لا في المختبر.
لا أحد يعلم أين انتهت الدفعات، لكن الجميع يعرف كيف تنتهي مثل هذه القصص.
المفارقة ليست غذائية فقط، بل ثقافية أيضًا.
فالأوروبي يثق بالتحليل، والمغربي يثق بالنيّة.
هناك تُبنى الثقة بالشفافية، وهنا تُبنى بالعادات.
المغرب بلدٌ فلاحيٌّ ، لكن الرقابة فيه تظلّ موسميةً كالمطر.
تأتي بعد العاصفة، وتغادر قبل المحاسبة.
كلّ جهةٍ تُلقي باللوم على الأخرى، والنتيجة منظومةٌ تُصدّر “الممتاز”، وتحتفظ “بالمشبوه”.
حين تُكتشف مادةٌ محظورة في أوروبا، يُفتح التحقيق فورًا.
وحين تُكتشف في الضفة الأخرى، يُفتح الباب للتبرير.
المشكلة ليست في الأرض، بل في الضمير.
نزرع بإتقان، ونحصد بارتجال.
نحتفي بالعلامة “صُنع في المغرب”، ونغضّ الطرف عمّا “صُنِع للمغاربة”.
المبيد الذي حُظر منذ خمس سنوات لم يعد خطرًا فقط، بل صار رمزًا لمبيدٍ أعمق… مبيد المسؤولية.
فحين تُسحب الدفعات من رفوف أوروبا، تبقى على رفوفٍ أخرى، مغطاةً بطبقةٍ من الصمت والتبرير.
المغرب الذي يريد أن يكون قوّةً فلاحيةً صاعدة، يحتاج إلى ثورةٍ في ثقافة المراقبة قبل ثورته في الإنتاج.
فالأرض الخصبة لا تثمر الثقة تلقائيًا، والعلامة “صُنع في المغرب” لن تكون كافية، ما لم تُصنع معها ضمائر تُدرك أن صحة المواطن هي الاستثمار الوحيد الذي لا يُقدّر بثمن.
لأن ما ترفضه أوروبا خوفًا على صحتها، لا ينبغي أن يكون ما يأكله المغربي احترامًا لعاداته.
