Jobs on Paper… Unemployment Takes a Short Break

يبدو أن البطالة في المغرب دخلت مرحلة “الراحة الإحصائية” لا أكثر. فبحسب التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط، انخفض معدل البطالة خلال الفصل الثالث من سنة 2025 إلى 13,1% على المستوى الوطني، بعد أن كان 13,6% في الفترة نفسها من السنة الماضية.

انخفاضٌ طفيف في ظاهر الأرقام، لكنه يخفي في العمق اختلالاً هيكلياً مزمناً في سوق الشغل المغربي، حيث تتحرك المؤشرات نزولاً في الجداول، وتصعد في الواقع الاجتماعي كل يوم.

كشفت مصادر إعلامية أن عدد العاطلين تقلّص بمقدار 55 ألف شخص ليبلغ 1,629 مليون عاطل، وهو رقم يوحي ببصيص أمل، لكن هذا الأمل يذوب بسرعة أمام التفاصيل.

فالبطالة في المدن ما زالت مرتفعة بنسبة 16,3%، وفي القرى عند 6,9%، بينما تبقى النساء خارج اللعبة بنسبة 21,6%، والشباب بين 15 و24 سنة في وضع كارثي بنسبة 38,4%. هؤلاء ليسوا أرقاماً في تقريرٍ رمادي، بل قصص بشرية تعيش على حافة الانتظار.

يُظهر التقرير أن المغرب أحدث 167 ألف منصب شغل جديد على الورق، منها 164 ألف في المدن و3 آلاف فقط في القرى، وكأن التنمية تمارس التمييز الجغرافي.

قطاع الخدمات تصدّر القائمة بـ 94 ألف منصب، يليه البناء بـ 90 ألفًا، والصناعة بـ 29 ألفًا، في حين فقدت الفلاحة والغابات والصيد 47 ألف منصب دفعة واحدة — وهي المفارقة التي تلخّص نموذج نموٍّ “غير متوازن” يعيش على الإسمنت أكثر مما يعيش على الأرض.

البيانات نفسها تُظهر ارتفاع الشغل المؤدى عنه إلى 220 ألف منصب، مقابل تراجع الشغل غير المؤدى عنه بـ 54 ألفًا، لكن المؤدى عنه لا يعني بالضرورة عملاً لائقاً أو دخلاً كريماً.

فكثير من هذه الوظائف مؤقتة أو موسمية، تعيش دورة حياة قصيرة تشبه موسم الحصاد: تبدأ بالتصفيق وتنتهي بالصمت.

الأخطر أن التقرير نفسه يُقرّ بأن الشغل الناقص – أي من يعمل أقل من طاقته أو بدوامٍ جزئي قسري – ارتفع إلى 1,199 مليون شخص، ليرتفع المعدل الوطني من 10% إلى 11,1%.

أي أن جزءًا كبيرًا من مناصب الشغل الجديدة لا يوفّر حياة كريمة، بل يُخفي البطالة تحت غطاءٍ من النشاط. وهو ما يجعل المؤشرات تتجمّل في الشكل، وتتعقّد في الجوهر.

تتركّز أغلب حالات الشغل الناقص في البناء والفلاحة، وهما قطاعان يعكسان هشاشة التشغيل أكثر مما يعكسان إنتاج الثروة.

ومع ذلك، لا تزال الخطابات الرسمية تفضّل الحديث عن “تحسين المؤشرات” بدل مواجهة سؤال العدالة في توزيع فرص العمل وساعات العيش.

من جهة أخرى، تبيّن المعطيات أن خمسة أقاليم فقط تحتضن أغلب السكان النشيطين: الدار البيضاء-سطات تتصدّر بـ 22,9% من اليد العاملة، تليها الجهات الكبرى، بينما تتوزّع أعلى معدلات البطالة في الشرق والجنوب وفاس-مكناس، وأدناها في طنجة-تطوان-الحسيمة، ومراكش-آسفي، وسوس-ماسة.

بمعنى آخر: البطالة في المغرب لا تختفي، بل تنتقل من جهةٍ إلى أخرى مثل غيمةٍ ثقيلة تبحث عن سماء جديدة.

البيانات الرسمية تكشف أن معدل الشغل لدى الرجال ارتفع إلى 60,9%، بينما انخفض لدى النساء إلى 15% فقط وهو تذكير مؤلم بأن الاقتصاد المغربي ما زال يشتغل بنصف طاقته البشرية.

أما الشباب، فيعيشون في مفارقة مريرة: الدولة ترفع شعار “الإدماج”، لكن الواقع يقدّم “الانتظار” كخطة بديلة. جيل كامل يعيش في زمن المؤقت، بين عقودٍ قصيرة الأجل وآمالٍ طويلة الأجل.

التقرير لا يجيب عن السؤال الجوهري: هل التراجع الطفيف في البطالة نتيجة تحسّن حقيقي في الاقتصاد، أم نتيجة مؤقتة لعوامل موسمية؟ فما دام معدل النشاط الوطني في تراجع – من 43,6% إلى 43,3% – فإن جزءاً من الانخفاض في البطالة قد يكون ببساطة لأن كثيرين توقفوا عن البحث عن عمل أصلاً.

سوق الشغل المغربي اليوم يعيش بين واقعين: واقع الأرقام الذي يحتفل بـ0.5% من التحسن، وواقع الناس الذين لا يشعرون به.

وما لم تتجه السياسات العمومية نحو خلق وظائف منتجة، وضمان العدالة الجغرافية والجندرية في التشغيل، وتحفيز الاستثمار الحقيقي لا الريعي، فسيبقى الانخفاض مجرد فاصلٍ قصيرٍ في مسلسلٍ طويل عنوانه “التنمية المؤجلة”.

الوظائف تُعلَن، لكنّ الكرامة مؤجَّلة. المغرب لا يحتاج فقط إلى مناصب شغل جديدة، بل إلى منظومة شغل جديدة: شغلٍ يحرّر لا يرهق، ويمنح الشباب والنساء نصيبهم من اقتصادٍ يُصنع باسمهم… دون أن يشاركوا في صنعه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version