State’s Imamate or Sermon’s Authority? Toufiq Redraws the Limits of Religious Speech

تبدو الكلمات بريئة حين تُقال من فم وزيرٍ هادئٍ مثل أحمد التوفيق، لكنها في الحقيقة تحمل مشروعاً كاملاً في طيّاتها.
حين وصف منتقدي توحيد خطبة الجمعة وخطة “تسديد التبليغ الديني” بـ«المجرمين»، لم يكن يتحدث فقط عن معارضةٍ إدارية، بل عن حدودٍ جديدةٍ للكلام في الدين .

الوزير الذي قضى أكثر من عقدين على رأس وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تحوّل من “مؤرخٍ للأديان” إلى “حارسٍ للخطبة”، ومن مسؤولٍ عن تدبير الشأن الديني إلى واضعٍ لقوانينه وحدوده ومفرداته.

فما كان مجرّد نقاشٍ حول مضامين الخطب، صار اليوم مسألة ولاءٍ للمؤسسة، لا اجتهادٍ في النص.

كشفت مصادر إعلامية أن التوفيق قال أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية بمجلس النواب:

«من ينتقد خطة تسديد التبليغ وتوحيد خطب الجمعة مجرم، لأنه يمسّ المجلس العلمي الأعلى الذي يمثل إمامة الأمة.»

بهذه الجملة، منح الوزير للمجلس العلمي الأعلى سلطةً تتجاوز الفقه إلى إمامة الأمة، وهي عبارة لا تخلو من ثقلٍ رمزي كبير .
فالإمامة، في الوعي الإسلامي، كانت دوماً عنوان القيادة الجامعة بين الدين والدولة، بينما الخطبة كانت مجالاً للاجتهاد والنصيحة والاختلاف.
أما اليوم، فيبدو أن الدولة تسعى إلى “تنظيم المنبر” كما تنظّم السياسة والإدارة، لتتحوّل إمامة الجمعة إلى امتدادٍ للمؤسسة الرسمية .

الوزير، في دفاعه عن الخطة، حاول أن يُظهرها كإصلاحٍ ديني يضمن الانسجام والتوجيه السليم، لكنه في العمق يفتح الباب أمام سؤالٍ أعمق:
هل نحن أمام توحيدٍ للخطاب الديني أم تضييقٍ له؟
هل المنبر فضاءٌ للإرشاد أم وسيلةٌ لتعميم “النسخة الرسمية” من الإيمان؟

منذ أكثر من عشرين سنة، ظلّ أحمد التوفيق يشرف على الحقل الديني بقبضةٍ ناعمةٍ لكنها ثابتة.
لم تتغيّر ملامحه ولا لغته ولا طريقته في إدارة الملف.


وزيرٌ رافق حكوماتٍ عديدة، لكنه ظلّ بمنأى عن التقييم والمساءلة.
ربّما لأن صوته لا يرتفع، وربّما لأن ملفّه شديد الحساسية، وربّما لأن الدولة وجدت فيه الرجل الذي يعرف كيف “يضبط الإيقاع” من دون ضجيج.

غير أن الاستقرار لا يعني الجمود.

فالجيل الجديد من المغاربة يعيش زمن الأسئلة المفتوحة لا الخطب المغلقة، وزمن النقاش العام الذي لا يقبل مصادرة العقل باسم الطاعة، ولا يحتمل لغة الاتهام داخل الفضاء الديني.

إن “توحيد الخطبة” في ظاهرها مشروعٌ لضبط الفوضى، لكنها في عمقها توحيدٌ للغة المسموح بها في الدين.

وما قاله التوفيق ليس مجرد انفعالٍ عابر، بل إعلانٌ رمزيٌّ بأنّ الكلام في الدين صار يحتاج إلى رخصة.

يبقى السؤال مفتوحاً:
هل تحتاج الأمة إلى إمامة دولةٍ تحرس الإيمان؟
أم إلى ولاية فكرٍ حرٍّ يعيد للمنبر روحه وللخطبة معناها؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version