Territorial Justice in Morocco: Asphalt Without Fairness
يعيش المغرب مفارقة تنموية حادّة تختزل فلسفة الحكم في معادلة هندسية باردة: المزيد من الطرق، والقليل من العدالة.
فبينما تتباهى الحكومة بإنجازاتها في ربط الدواوير القروية بشبكات الطرق، ما تزال المدارس والمستوصفات خارج نطاق الخدمة، وكأن التنمية اختُزلت في رصف الأرض بدل رعاية الإنسان.
الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط، كشف أن أكثر من تسعين في المائة من الدواوير القروية متصلة بالطرق، وخمسة وسبعين في المائة منها معبدة.
أرقام براقة تُقدَّم كإنجاز، لكنها تخفي واقعًا رماديًا يُظهر أن الطريق وصلت إلى كل قرية، لكن الدولة لم تصل بعد إلى مواطنيها.
ففي قطاع التعليم، يعيش نحو سبعين في المائة من سكان القرى على بُعد أقل من كيلومترين من مدرسة ابتدائية، بينما لا تتجاوز نسبة القرب من المؤسسات الثانوية ثمانية في المائة للإعداديات وأقل من خمسة في المائة للثانويات.
هذا يعني أن الحلم الدراسي للفتيات في العالم القروي ما يزال عالقًا بين المسافة والقدر، وأن الطريق إلى المستقبل ما تزال أطول من وعود الحكومة.
أما في مجال الصحة، فالصورة أكثر قسوة. ثلث الدواوير فقط تتوفر على مرفق صحي داخل دائرة خمسة كيلومترات، فيما يضطر أكثر من نصف السكان إلى السفر طلبًا لعلاجٍ بسيط.
وفي ظل هذا الغياب البنيوي، تتحول شعارات “الدولة الاجتماعية” إلى لافتات بلا مضمون، ويصبح الوصول إلى الطبيب امتيازًا جغرافيًا لا حقًا مواطنيًا.
النتيجة أن المغرب يعيش اليوم تنمية ذات طابع هندسي أكثر منها إنساني. تُعبَّد الطرق بدقة، وتُرصَف الكلمات في البلاغات الرسمية بعناية، لكن البنية الاجتماعية تظل مهترئة.
تُنفق المليارات في مشاريع فكّ العزلة، بينما تُكرَّس عزلة جديدة: عزلة الإنسان عن حقوقه الأساسية في التعليم والصحة والكرامة.
العدالة المجالية لا تُقاس بالكيلومترات، بل بمدى قدرة الدولة على الاقتراب من مواطنيها.
والمواطنة ليست طريقًا معبّدًا نحو المدينة، بل وعدٌ بأن تجد المدرسة قبل السيارة، والمستوصف قبل الخطاب الوزاري.
حين تتحول التنمية إلى سباق أرقام، وتتحول الحكومة إلى مهندس زفت، يضيع المعنى الحقيقي للعدالة.
فما جدوى الطرق إذا كانت تؤدي إلى فراغ؟ وما معنى الدولة الاجتماعية إذا كانت تُعمّر الأرض وتترك الإنسان في الانتظار؟
