The Big Village in El Ghloussi’s Sight: Between Promises of Development and the Reality of Neglect
الدوار الكبير يعود إلى الواجهة، لا من خلال صور المشاريع ولا نشرات البلاغات، بل من خلال كلمات محمد الغلوسي التي دوّت كجرس إنذار في فضاءٍ محليٍّ طال صمته.
الحقوقي المعروف لم يكتب بدافع الغضب، بل بدافع الضمير، فشخّص بلغةٍ صادقة مرضًا مزمنًا اسمه غياب المسؤولية، وفضح واقعًا قرويًا يعيش بين الوعود المتكرّرة وواقعٍ لا يتغيّر، بين شعارات التنمية وحقائق التهميش.
في نصه الأخير، وجّه الغلوسي رسالته إلى من سماه “مدبّر الشأن العام”، في توصيفٍ دقيقٍ لمسؤولٍ يرى في النفوذ امتيازًا لا واجبًا.
قال عنه إنه يسهر على بقاء الأوضاع كما هي، يحصي السكان كما تُحصى الأصوات، ويُدير الفقر كما يُدار الاستثمار.
كلام موجع، لكنه يعكس مشهدًا يعرفه كل من مرّ يوماً بجماعةٍ تُدار بالمجاملات بدل الكفاءات.
“الدوار الكبير”، كما صوّره الغلوسي، لم يعد مجرد مكانٍ جغرافي، بل مرآةٌ مصغّرة لوطنٍ أكبر، تُظهر كيف تُرفع شعارات التنمية في كل موسمٍ انتخابي، ثم تُطوى الملفات إلى موعدٍ قادم.
الناس هناك لا يطلبون المستحيل، بل فقط أن تكون التنمية فعلًا لا وعدًا، وأن تُقاس المسؤولية بما يتحقق على الأرض، لا بما يُقال في الخطابات.
كلمات الغلوسي لم تكن هجومًا على الأشخاص، بل صرخة ضميرٍ ضد طريقةٍ في الحكم تُدير الفقر كما تُدير المال العام.
حين كتب: “نحن مناضلون نمشي منتصبي القامة، لا نستجدي أحدًا”، كان يذكّر الجميع أن الكرامة ليست منحة، وأن الصمت لم يعد حماية، بل مشاركة في التواطؤ.
الدوار الكبير الذي صار عنوانًا رمزيًا في كلماته، ليس نقطةً على الخريطة، بل حالة وطنية تتكرّر في أكثر من جهة.
مرآةٌ تعكس ما يحدث حين تتحول التنمية إلى مشهدٍ تلفزيوني جميل، والناس إلى متفرّجين على واقعهم.
كلمات الغلوسي تركت أثرها: صدمةٌ هادئة، ووعيٌ جماعيٌّ بدأ يتشكّل من جديد.

