23.9 Million Dirhams to Count Poverty… A State That Measures Pain Instead of Healing It

حين تُنفق الدولة ما يقارب 24 مليون درهم فقط لتعدّ مواطنيها، فالأمر لم يعد مجرّد عملية إحصائية… بل مرآة سياسية.
المندوبية السامية للتخطيط أطلقت صفقة جديدة لتوظيف 250 عاملًا مؤقتًا طيلة سنة 2026، بهدف إنجاز المسوحات الإحصائية حول الفقر، البطالة، والاستهلاك.
على الورق يبدو المشروع خطوة علمية لمواكبة “أهداف التنمية المستدامة 2030” و“النموذج التنموي الجديد”، لكن خلف العناوين التقنية، يطلّ السؤال الحقيقي:
هل نحتاج إلى مزيد من الأرقام لنفهم أن الفقر ازداد، أم إلى قرارات حقيقية لتقليصه؟

العاملون الذين سيجوبون المدن والقرى سيشتغلون 8 ساعات يوميًا، 6 أيام في الأسبوع، مقابل 140 درهمًا صافياً في اليوم.
هم أنفسهم يعيشون هشاشة شبيهة بتلك التي سيحصونها في استماراتهم.
دولة توظّف مؤقتين لتعداد المؤقتين… وتحوّل الفقر إلى مهنة موسمية.

كل سنة تطلق المندوبية تقارير مفصلة وأرقامًا دقيقة، تُنشر بعناوين جميلة: “تحسّن طفيف”، “تراجع نسبي”، “استقرار نسبي”…
لكن خلف اللغة الهادئة هناك واقع لا يتحرك.
يتغيّر رقم الفقر كما تتغيّر حرارة الطقس، لا أكثر.
فالإحصاء صار عادة بيروقراطية تُرضي الضمير الإداري، ولا تُغيّر حياة الناس.

المفارقة أن المغرب أصبح من أكثر البلدان العربية إنتاجًا للمؤشرات:
بطالة، سكن، تعليم، صحة، مساواة، عدالة مجالية…
لكن حين تنتقل الأرقام من الورق إلى الميدان، تصطدم بجدار السياسة.
ما يُرصَد لا يُصلَح، وما يُعرَف لا يُستَعمل.
هكذا تتحوّل المعرفة إلى ديكور إداري جميل، يُستعمل في المؤتمرات أكثر مما يُستعمل في الإصلاح.

الإحصاء الحقيقي ليس أن نعرف كم فقيرًا يعيش بيننا، بل أن نعرف لماذا بقي فقيرًا رغم كل الخطط.
المشكل ليس في نقص البيانات، بل في غياب الإرادة لتغييرها.
حين تُخصّص الملايين لإحصاء الفوارق ولا يُخصَّص نصفها لمعالجتها، تصبح العدالة الاجتماعية خانة أنيقة في جدولٍ إحصائي، لا في الواقع.

كل عام تُنتج الدولة خرائط جديدة للفقر، لكن لا أحد يجرؤ على رسم خريطةٍ واحدة للمسؤولية.
من يصنع السياسات التي تُنتج الفقر؟
من يراجعها؟
ومن يجرؤ على تغييرها؟

النتيجة واضحة: الدولة تعرف كل شيء عن مواطنيها، لكنها لا تعرف كيف تجعلهم يعيشون أفضل.
تحصي وجعهم، وتضعه في جداول منسقة، ثم تُغلق الملف إلى الإحصاء القادم.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version