The Minister Who Defined the Media Crisis… Yet Helped Create It
المغرب يعيش أزمة إعلامية خانقة، والاعتراف لم يأتِ هذه المرة من الخارج، بل من داخل الحكومة نفسها.
مهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل، قالها أمام البرلمان بوضوح نادر:
“غالبية المقاولات الإعلامية في المغرب تعاني من أزمة مالية خانقة، والقطاع غير مربح، إذ لم تتمكن سوى مقاولة واحدة من أصل إحدى عشرة من تحقيق أرباح سنة 2024.”
هكذا قدّم الوزير تعريفاً دقيقاً لمرضٍ مزمنٍ يعرفه الجميع، لكنه تجاهل أنه من صُنّاع أسبابه.
الوزير تحدّث بلغةٍ تقنيةٍ وباردة أمام لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب، وكأنه يصف واقعاً منفصلاً عنه، بينما وزارته هي الجهة التي تضع القوانين المنظمة للدعم العمومي،
وتُشرف على المجلس الوطني للصحافة، وتتحكم في السياسات التي تحدد من يعيش في السوق ومن يُقصى منها.
لا تدير المقاولات الإعلامية مباشرة، لكنها تمسك بمفاتيح الأوكسجين الذي تبقى به على قيد الحياة.
حين تحدث بنسعيد عن “اختلالات بنيوية في النموذج الاقتصادي للمقاولات الإعلامية”، بدا كطبيبٍ يشرح أعراض مرضٍ صنع بيئته بنفسه.
فالخلل لا يقتصر على ضعف السوق أو الإعلانات، بل على منظومةٍ كاملةٍ حولت الدعم إلى امتيازٍ سياسي،
والإشهار إلى سلاحٍ ناعمٍ لتأديب وسائل الإعلام.
في المغرب، تُكافأ المنابر الصامتة وتُرهق المنابر الجريئة بانتظار التحويل المالي.
الوزير شدّد على أن المجلس الوطني للصحافة “يجب أن يشتغل باستقلالية تامة عن السلطة التنفيذية”، لكن هذه الاستقلالية تبقى حبراً في قانونٍ تموّله الحكومة وتتحكم في ميزانيته.
كيف يمكن للمؤسسة أن تكون حرةً وهي تتنفس من رئة الدولة نفسها؟
ثم أضاف بنسعيد أن 80 في المائة من توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أُخذ بها في النص الجديد.
لكنّ العشرين المتبقية تكفي لتختصر المعنى كله:
الإصلاح لا يُقاس بالنسب، بل بقدرة النص على تحرير الكلمة لا على تقييدها.
وفي ختام مداخلته، قال الوزير إنّ الحكومة تركت “الجوانب التنظيمية للمجلس بين أيدي المهنيين أنفسهم.”
جملة أنيقة تصلح للبلاغات، لكنها في الواقع إعلان انسحابٍ مكتوبٍ بلغةٍ دبلوماسية:
المهنيون تُركوا في سوقٍ محتكرٍ بلا رؤيةٍ اقتصاديةٍ عادلة، بينما تُنفق الدولة الملايين على مهرجاناتٍ موسمية لتزيين صورةٍ بلا مضمون.
الوزير لم يخطئ حين عرّف مرض الإعلام، لكنه تجاهل أنه من صُنّاع المناخ الذي جعله مستعصياً.
فالمشهد الإعلامي المغربي لا يحتاج إلى مزيدٍ من التشخيص، بل إلى شجاعةٍ سياسيةٍ في فتح الملفات المسكوت عنها:
من احتكار الإشهار، إلى غياب العدالة في الدعم، إلى تهميش الصحافة المستقلة.
الإعلام الذي لا يربح لا يهدد الاقتصاد، بل يهدد الوعي.
وحين تفقد الدولة مرآتها، لا ترى إلا انعكاس صورتها كما تتخيلها، لا كما هي.
