بقلم: عبد الفتاح الحيداوي

تواجه الحركة الحقوقية المغربية اليوم تحديات مركبة تهدد فعاليتها ومصداقيتها أمام الرأي العام، سواء بسبب تشتتها الداخلي أو غياب رؤية استراتيجية جامعة.

ولم يعد الدفاع عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي مجرد واجب تضامني ظرفي، بل بات ضرورة لإعادة الاعتبار لقيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان في سياق يعرف تضييقًا متزايدًا على الأصوات المستقلة.
ولتحقيق نقلة نوعية في هذا المسار، بات من الضروري تبنّي برنامج عمل شامل يقوم على ثلاثة محاور مترابطة: بنيوي، ومنهجي، وذاتي.

أولًا: المحور البنيوي الأيديولوجي
يقتضي الإصلاح البنيوي توحيد الجبهة الحقوقية عبر تأسيس هيئة تنسيق عليا دائمة تجمع مختلف الفاعلين الحقوقيين، بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية، للدفاع المشترك عن جميع المعتقلين دون تمييز أيديولوجي أو انتمائي.
ويتأسس هذا المسار على ميثاق شرف حقوقي يُفصل بين المواقف السياسية والمبادئ الحقوقية، بحيث يكون معيار الدفاع هو الحق في الحرية والكرامة لا الانتماء السياسي أو المرجعي.
إن هذا التوحيد من شأنه أن يعيد مصداقية الحركة الحقوقية أمام الرأي العام، ويمنحها قوة ضغط موحدة لا يمكن تشتيتها بسهولة عبر الانقسامات الأيديولوجية التي طالما أضعفتها.

ثانيًا: المحور المنهجي
تحتاج الحركة الحقوقية إلى تطوير مقاربتها النضالية بالانتقال من المطالبة بالإفراج إلى المطالبة بالإصلاح البنيوي الذي يمنع تكرار الانتهاكات من جذورها.
ويتم ذلك من خلال اعتماد منهج توثيقي وقانوني احترافي، يقوم على إعداد ملفات دقيقة تستوفي الشروط القانونية الدولية، مما يمكّن من اللجوء إلى آليات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، ويدعم إمكانية ممارسة الدبلوماسية الحقوقية الفعالة عبر التواصل مع شركاء المغرب الاقتصاديين والسياسيين.
فبدل الاقتصار على الوقفات الرمزية، يصبح الفعل الحقوقي أداة لإحداث تحول مؤسسي حقيقي يحدّ من الإفلات من العقاب ويعزز استقلال القضاء.

ثالثًا: المحور الذاتي المعتقلون
لا يمكن لأي حركة حقوقية أن تنجح دون إشراك الفاعلين المعنيين مباشرة بالقضية، أي المعتقلين وعائلاتهم.
ويُفترض دعم هؤلاء في صياغة روايتهم الخاصة من خلال توثيق معاناتهم وتجاربهم، وتوفير الدعم القانوني والإعلامي اللازم لتدويل هذه الرواية وجعلها مادة أساسية في حملات المناصرة والتضامن.
إن تحويل المعتقل من مجرد “ضحية” إلى “صاحب قضية” هو جوهر المقاربة الإنسانية الجديدة، لأنه يمنح النضال الحقوقي بعدًا إنسانيًا وسياسيًا أعمق، ويواجه الرواية الرسمية برواية بديلة نابعة من المعاناة الواقعية لا من الخطاب النظري.

إنّ بناء حركة حقوقية مغربية فعالة يتطلب تجاوز ردّات الفعل الآنية، وتأسيس رؤية استراتيجية تدمج البعد البنيوي والمنهجي والذاتي في مشروع واحد متكامل.
فالمعركة الحقيقية ليست فقط ضد الاعتقال، بل ضد المنظومة التي تُنتجه وتبرّره.
ومن خلال التوحيد، والتوثيق، وتمكين الضحايا، يمكن للحركة الحقوقية أن تستعيد دورها التاريخي كصوتٍ للعدالة ورافعةٍ للتحول الديمقراطي في المغرب

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version