Between Local Governance and Power… A Single Thread Called Conflict
كشفت مصادر إعلامية عن معطيات أولية تسربت من المفتشية العامة لوزارة الداخلية، تفيد بأن جماعة الدار البيضاء توجد اليوم أمام واحدة من أكثر محطات التفتيش حساسية، بعدما أظهرت التقارير وجود علاقات مالية وتجارية تربط بعض المنتخبين بالجماعة، في وضعيات أثارت نقاشاً واسعاً حول مدى انسجامها مع قواعد الشفافية والحياد.
هذا التسريب لم يكن حدثاً عابراً، بل محطة كشفت ما يجري خلف الأبواب المغلقة في المقاطعات.
فقد شملت زيارات التفتيش مقاطعات سيدي بليوط والمعاريف وعين السبع، حيث رصدت اللجان عقود كراء لمحلات تابعة للجماعة يستغلها منتخبون حاليون، بعضهم قرر الاستقالة قبل أن تتسع رقعة التساؤلات أو تتحول الملاحظات إلى ملف مكتمل الأركان.
وخلال جلسات الاستماع، وجد عدد من المنتخبين أنفسهم أمام أسئلة دقيقة حول علاقاتهم المالية بالجماعة، وأسئلة أصعب حول كيفية الجمع بين سلطة القرار داخل المجلس، والاستفادة المباشرة من ممتلكات جماعية يفترض أن تُدار بمنطق المصلحة العامة.
غير أن النقاش الحقيقي سرعان ما توسّع، ليتجاوز حدود الجماعة إلى سؤال أكبر يهم الرأي العام:
لماذا تظهر بعض ملفات تضارب المصالح بسرعة في المستوى المحلي، بينما تظل ملفات أخرى أكبر حجماً وأكثر تأثيراً خارج الضوء؟
ففي الأحاديث الجانبية التي يتداولها الفاعلون، يبرز مصطلح “الفراقشية” للإشارة إلى أولئك الذين يتحركون في مستويات أعلى بكثير من الجماعات، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية بالقرارات الكبرى، وحيث يصبح تضارب المصالح أكثر تعقيداً… وأقل ظهوراً.
فالارتباك في الأسفل يُكشف بسهولة، لأن الوثائق واضحة والعقود ملموسة.
أما في الأعلى، فـتضارب المصالح يُدار عبر النفوذ لا عبر الأوراق، وعبر الصلاحيات لا عبر المحلات، وهو ما يجعل بعض الملفات تبدو وكأنها محاطة بـ“حصانة غير معلنة”، أو على الأقل بحاجز من التعقيد يجعل الوصول إليها أصعب من الوصول إلى ملفات الجماعات الترابية.
وبين تضارب صغير في الجماعة، وتضارب أكبر في مراكز النفوذ، يبقى السؤال مطروحاً بقوة:
هل تملك الرقابة القدرة نفسها على الصعود مثل قدرتها على النزول؟
إن ما يطلبه الرأي العام اليوم ليس تفتيشاً انتقائياً، بل رؤية شاملة تُعامل الملفات كلها بالصرامة نفسها، سواء كانت في أسفل السلم الإداري أو في أعلاه.
فالحقيقة أن نزول التفتيش إلى الأسفل مفيد… لكن صعوده إلى الأعلى ضروري، حتى لا يتحول إلى أداة شكلية تطمئن الناس من جهة، وتترك مناطق أخرى خارج المتابعة من جهة أخرى.
تشير المعطيات المتوفرة إلى أن المفتشين ذكّروا المنتخبين بمقتضيات الفصل 65 من القانون التنظيمي 113.14 الذي يمنع أي علاقة مالية أو تجارية يمكن أن تمس استقلالية المنتخب وحياده. ومع ذلك، بدت بعض الوقائع أبعد من مجرد “التباس قانوني”، لأنها تلامس جوهر التمثيلية السياسية نفسها:
من يخدم من؟ ومن يستفيد من ماذا؟
وتواصل المفتشية العامة اليوم تجميع المعطيات وتعميق التحريات قبل رفع تقرير مفصل للجهات المختصة، وهو مسار مهم يعيد ترتيب كثير من الأسئلة حول الحكامة المحلية، لكنه يفتح أيضاً نقاشاً حول مستوى الرقابة في الطبقات العليا من الإدارة، ومدى قدرة النظام الرقابي على الصعود كما ينزل، لضمان توازن حقيقي بين المسؤولية والامتياز.
فالاختلالات الصغيرة تظهر بسرعة لأنها تقع تحت الضوء…
أما الاختلالات الأكبر فتحتاج ضوءاً أوسع، ومساحة نقاش أعمق، وإرادة تضع المسافة نفسها بين الجماعة… وبين السلطة.
