Ethics Committee Without Ethics: Mahdaoui Unveils the Most Explosive Leak in the History of Press Regulation in Morocco
كسر الصحفي حميد المهداوي جدار الصمت بنشر تسجيلات مصوّرة وصوتية من داخل لجنة التأديب والطعن التابعة للمجلس الوطني للصحافة، تسجيلات يعتبرها “الدليل القاطع” على أن عملية سحب بطاقة الصحافة منه لم تكن مجرد قرار إداري أو مهني، بل جزء من “ممارسة معيبة تمسّ أخلاق المهنة واستقلالية القضاء”.
المهداوي قدّم مادة ثقيلة وصادمة، لا تخصه وحده، بل تخص بنية جهاز كامل اسمه “المجلس الوطني للصحافة”، جهاز وُلد بشعار حماية الصحفيين والدفاع عن القيم المهنية، فإذا بالتسجيلات إن صحت تكشف العكس تماماً: مداولات مرتجلة، لغة تهكمية، إهانات للمحامين، حضور أشخاص مجهولين، واتصالات هاتفية تُطبخ عبرها العقوبات.
منذ البداية، يوضح المهداوي أنه تجنّب نشر كل ما يندرج ضمن الحياة الخاصة، مؤكداً أنه اكتفى فقط بما يتعلق بالوظيفة والمسؤولية وبما يمسّ المرفق العام وحق المجتمع في معرفة ما يجري داخل مؤسسة يفترض أنها حارسة للأخلاق المهنية.
حسب المقاطع التي نشرها، تظهر لحظات داخل مداولات اللجنة، حيث يُسمع وفق التسجيل أعضاء يسألون بعضهم البعض: “شحال نعطيوه؟ عام؟ عامين؟ توبيخ؟” قبل أن يتحول النقاش إلى الاتصال بشخص خارجي لمعرفة “الصيغة المناسبة”.
ويقول المهداوي إن عضو اللجنة خالد الحري كان يتلقى توجيهات عبر الهاتف حول مدة العقوبة، ثم اقترح منع المهداوي من الدعم العمومي لثلاث سنوات، وهي عقوبة يقول إنها لم تظهر لاحقاً في القرار النهائي.
هنا يصبح السؤال مشروعاً: هل تُتخذ قرارات التأديب داخل محضر رسمي أم خارجه، عبر الهاتف ومن جهات غير معلومة؟
الاسم الذي يتكرر كثيراً في التسجيلات هو يونس مجاهد، رئيس لجنة الطعن.
وحسب رواية المهداوي، يظهر مجاهد داخل المداولات رغم أن المحضر لم يكن مختوماً بعد، بل ويُسمع وفق التسجيل حديث عن ضرورة “الذهاب إلى عبد النباوي” بخصوص الملف.
المهداوي يطرح هنا سؤالاً مؤلماً: هل من المقبول أن يُذكر رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية في سياق مداولة إدارية؟ وهل يحق لرئيس لجنة الطعن أن يشارك في مداولات هو نفسه من سيصدر الحكم فيها؟ إن صحت الرواية، فهذا تداخل خطير يمس استقلالية القرار ويطرح ظلالاً كثيفة على حياد اللجنة.
كما كشف المهداوي عن وجود شخص سماه “جلال طاهر”، يقول إن اسمه لا يوجد ضمن أي وثائق رسمية للمجلس، لكنه كان حاضراً عن بُعد، يرى ويسمع كل شيء دون علم الصحفي ولا دفاعه.
من هذا الشخص؟ وبأي صفة حضر؟ ولماذا سُمِح له بمراقبة الجلسة؟ هذه الأسئلة تضرب في عمق الشرعية القانونية وتطرح احتمال وجود جهة غير معلنة كانت تتلقى التسجيلات أو توجه مسار المداولات.
التسجيلات كما نقلها المهداوي تضم أيضاً عبارات قاسية ومهينة في حق المحامين الذين آزروه: “محامين مصدّيين”… “محامي مسطّي”… “بو عنق”… “محامين هاربين”. كلمات تُسقِط عن اللجنة صفة الأخلاق قبل أن تسقط عن الصحفي.
كيف يمكن لهيئة يُفترض فيها حماية السلوك المهني أن تسمح بسخرية من مهنة الدفاع ومن هيئة المحامين؟ وكيف يُقبل أن يحاكم الصحفي بلجنة تحتاج هي نفسها إلى التأديب؟
ويستحضر المهداوي تصريحاً سابقاً لوزير العدل عبد اللطيف وهبي حين قال: “هذا ما بقاش صحفي… ما عندوش بطاقة الصحافة.”
بالنسبة له، لم يكن هذا الكلام صدفة، بل جزءاً من سياق كامل يُظهر أن قرار سحب البطاقة لم يكن مهنياً، بل سياسياً أيضاً، وأن المجلس الوطني للصحافة قد يكون تحوّل إلى أداة لتصفية الأصوات المقلقة.
وسط كل هذا، يطفو سؤال أكبر: من الذي عيَّن هؤلاء؟ من زكّاهم؟ من منحهم سلطة الحكم على الصحفيين؟ هؤلاء ليسوا أفراداً معزولين، بل نتاج هندسة مؤسساتية شاركت فيها حكومة وبرلمان ونقابات حزبية.
وحين تتحول لجنة الأخلاقيات نفسها إلى موضوع مساءلة، فالخلل لم يعد في شخص أو ملف، بل في البنية التي سمحت بهذا النموذج أن يتصدّر المشهد.
ما يظهر من الفيديوهات إن صحت أن الخلل لم يعد في قرار واحد، ولا في صحفي واحد، بل في نموذج كامل تعرض للاختراق من الداخل. لجنة يُفترض أن تصون الأخلاق، فإذا بها حسب التسجيل تتداول الإهانات. لجنة يُفترض أن تُطبق القانون، فإذا بها تبحث عن “الرأي عبر الهاتف”.
لجنة يرأس الطعن فيها قيادي حزبي، فتحولت إلى جهاز بوجهين: وجه مهني ووجه سياسي.
هنا يتجاوز النقد الأشخاص نحو من صادق عليهم ووضعهم في هذه المناصب: حكومة صادقت، نقابات زكت، وبرلمان بارك… والنتيجة جهاز هش وعاجز، أصبح هو نفسه مادة للتأديب بدل أن يكون أداة للتأديب.
وإذا صحت الوقائع، فإن المغرب بحاجة إلى جرأة لطرح سؤال بسيط وخطير: من يحاسب الجهاز الذي يحاسب الصحفيين؟ ومن يحمي الصحافة من لجان الأخلاق حين تتخلى عن أخلاقها؟
المسألة لم تعد صراعاً مع المهداوي، بل صراعاً على شرف مهنة كاملة. وإن كان المجلس الوطني للصحافة قد وُجد للدفاع عن استقلال المهنة، فإن أول استقلال يجب إنقاذه اليوم… هو استقلاله هو نفسه.
