كلما تزداد أرقام ضحايا الطرقات في المغرب، يخرج ناصر بولعجول، المدير العام للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا”، ليطمئننا بخطط وتحيينات ووعود تتكرر كل عام، وكأننا أمام فيلم طويل ممل، عنوانه العريض: “الإصلاحات الورقية”.

بولعجول تحدّث مؤخّرًا عن تحيينات متواصلة في المنظومة القانونية، بدءًا من مدونة السير لسنة 2010، مرورًا بتحيين 2016، وصولًا إلى المراسيم والقرارات الوزارية الجديدة، من بينها المرسوم رقم 421 المتعلق بالمركبات، والتعديلات التي شملت الدراجات والدراجات الكهربائية. تصريحات مليئة بالتقنيات القانونية، لكنها للأسف، تبقى حبيسة المكاتب والاجتماعات الفاخرة.

الواقع في شوارعنا وطرقاتنا، خاصة في القرى والمناطق الجبلية، يقول شيئًا آخر: حوادث يومية، دماء تسيل، عائلات تُشرد، والمواطن البسيط يظل الحلقة الأضعف. البنية التحتية غائبة، علامات التشوير مطموسة، الحواجز الوقائية نادرة، والإنارة العمومية في خبر كان.

بولعجول تحدّث عن ضرورة التحسيس والتربية على السلامة، لكنه لم يخبرنا كيف نُربي جيلاً يحترم القانون في غياب القدوة، وكيف نقنع شابًا يحلم بدراجة نارية جديدة ألا يقودها بسرعة جنونية في طرق محفوفة بالمطبات والحفر؟

كلام المدير العام عن “التواصل مع جميع الفئات” وعدم التمييز بين “ولاد الفشوش” وغيرهم، قد يبدو جميلاً في الندوات، لكنه يصطدم بواقع مرير: سيارات فارهة تخترق الشوارع دون حسيب ولا رقيب، دراجات نارية تُستعرض في منتصف الليل.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه “نارسا” عن تحيينات القوانين، ما زال المواطن يُعاني في التنقل اليومي، يواجه غياب النقل العمومي المنظم، وانعدام ممرات الراجلين، وتجاهل تام لفئات هشة كالمسنين وذوي الإعاقة.

كيف نُطالب المواطن البسيط بالالتزام بالقوانين الصارمة، بينما البنية التحتية لا توفر له أدنى شروط السلامة؟ كيف نقنع الفلاح البسيط في قرية نائية بارتداء الخوذة، بينما الطريق التي يسلكها أصلاً أشبه بمسلك جبلي خطير؟

المدير العام تحدّث أيضًا عن المخالفات والغرامات، وعن ضرورة التشدد. لكن، هل الغرامات هي الحل في غياب التوعية والتهيئة؟ حين تكون الغرامة مجرد وسيلة لجمع المال، وليس أداة للإصلاح، تفقد كل مصداقيتها أمام الناس.

التحديات الكبرى أمام “نارسا” لا تتعلق فقط بإصدار مراسيم جديدة، بل بإعادة الثقة للمواطن، بتنزيل برامج حقيقية في القرى والمدن، بخلق جيل يحترم القانون لأنه يرى العدالة تُطبق، لا لأنه يخاف من الغرامة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version