بقلم: عبد الفتاح الحيداوي
الليلة الأولى: ظلمة الزنزانة… وثقل التهمة:
في تلك الليلة الأولى، حين أوصدوا باب الزنزانة خلفي، أحاط بي الصمتُ كوحشٍ ينتظر الفريسة. لا ضوء في المكان، فقط جدران رطبة ونَفَس ثقيل يتردد في العتمة.
كنت مرهقًا، متعبًا، جسدي ينزف من الداخل، لا جراح ظاهرة، بل إنهاك التحقيق الطويل، ساعات من الأسئلة والوجوه المتبدّلة والنوايا الغامضة.
جلست على الأرض، أتحسس البرودة تحت جسدي، وأفكر… لا، أُصارع الأفكار. أول ما طرق رأسي هو وجه والدتي. لم يكن هناك شيء يؤلم أكثر من صورتها وهي تتلقى خبر اعتقالي.
ثم جاء وجه ابني… لم يمضِ على ولادته سوى أيام، وكان يوم اعتقالي هو يوم “عقيقته”. تخيّلت الضيوف جالسين، ينتظرون ظهوري، يرددون الأدعية والتهاني… قبل أن ينقلب المشهد إلى صدمة وذهول. لم يفهم أحد شيئًا.
أما أنا، فقد فهِمتُ كل شيء… أو ربما كنت أحاول. التهم ثقيلة كالجبل: “محاولة تفجير السفارة الأمريكية”، “تكوين عصابة إجرامية مسلحة”، “المساس بأمن الدولة الداخلي والخارجي”… لم أستطع حتى استيعابها، فما بالك بوالدتي التي بالكاد تتابع نشرات الأخبار!
لم أكن وحدي، كان معي بعض الشباب الذين لا أعرفهم، باستثناء أحد جيراني الذي جمعتني به صدفة السكن… أما الباقون، فلم أرهم من قبل.
كنا نُسمّى “أول خلية دولية”، وكان الإعلام يكرر أسماءنا بنبرة ترتعد لها قلوب الناس، كأننا شياطين خرجوا من ظلام الكتب الأمنية.
في داخلي، كنت أفكر في الاعتقال دومًا… كنت أعي خطورة الطريق، وأعلم أن الحرية مكلفة… لكنّي ، لم أكن أتخيل هذا السيناريو أبدًا.
في تلك الليلة،. لم أصرخ. فقط كنت أتنفس ببطء، أراقب الظلام، وأحاول أن أستعيد توازني. كنت أقول لنفسي: “ها قد بدأت الحكاية… وما دام للحق طريق، فلابد أن يكون محفوفًا بالشوك.”