“إذا كانت البقرة المصابة بالحُمى القلاعية تُعوّض بمليونين ونصف، فكم تساوي حياة أستاذة فقدت جنينها، وحقها في الإنجاب؟”
بهذا السؤال الصادم افتتح عبد الرحيم بوعيدة تدوينته النارية، التي سلط فيها الضوء على واحدة من أكثر القصص قسوةً في واقع التعليم المغربي.
من طنجة تبدأ القصة… ولا تنتهي!
صالحة بنحي، أستاذة التعليم الأولي بمدينة طنجة، سقطت مغمىً عليها داخل الفصل الدراسي بسبب الحمل والإجهاد المهني. المفروض أن تُستدعى سيارة إسعاف لتنقلها للمستشفى، لكن ما وقع كان أبعد من كل التوقعات.
زميلاتها تكلفن بحملها على الأكتاف عبر سلالم المؤسسة، وفي تلك اللحظة، وقعت الكارثة: سقطن جميعاً، وتفاقمت حالتها. لم يُستدعَ إسعاف، بل تم الاتصال بزوجها، الذي كان خارج المدينة، ليعود مسرعاً وينقلها لمصحة خاصة.
النتيجة؟
– توقف نبض الجنين
– عملية مستعجلة
– فقدان القدرة على الإنجاب نهائياً، حسب روايتها المؤلمة
الحكومةتُقيّم المعاناة بـ”قيمة هزيلة”: 1600 درهم!
بعد كل هذا، كم بلغ “تعويض” الحكومة لها؟
1600 درهم لا غير.
لا عن الجنين، لا عن الخصوبة، لا عن الإهمال، لا عن الخطأ الإداري، لا عن انهيار مستقبلها الجسدي والنفسي.
وهو ما وصفه بوعيدة بـ”الاحتقار الإداري المغلف باللامبالاة”، مؤكداً أن المؤسسات تُهين المرأة التي تُربي أجيال المستقبل، بينما تُكرّم السياسي الذي يسافر، يشتري، ويتنقل على حساب دافعي الضرائب.
التعليم: قطاع يُنجب المآسي
من قصة صالحة انتقل بوعيدة إلى تشريح الوضع الكارثي لقطاع التعليم، قائلاً:
“كيف يُعقل أن نُسلّم أبناءنا لأستاذة تشتغل بـ3000 درهم، لا تأمين، لا كرامة مهنية، لا تغطية حقيقية؟”
وأشار إلى أن أساتذة التعليم الأولي يشتغلون أغلب شهور السنة، ويتابعون تكوينات صيفية بلا تعويضات، ويُعاملون وكأنهم مُتطوّعون لا موظفون.
الصحة… لا تكييف، لا كرامة، ولا معجزة!
بوعيدة وسّع النقاش لقطاع الصحة أيضاً، مستشهداً بحالة مستشفى جهوي بمراكش حيث مرضى العظام يعانون من الحرارة المفرطة بسبب غياب المكيّفات.
من يشتري المكيّفات؟
الأطباء الشباب من مالهم الخاص!
بينما وزارة الصحة تدّعي تحقيق “المعجزات” في المساءلة الشهرية.
سؤال بوعيدة المركزي: أين الدولة؟ أين الكرامة؟
“ما قيمة الدولة التي لا تضمن السلامة الجسدية والنفسية لمواطنيها؟ ما فائدة الخطابات حول التنمية إذا كانت المرأة تُهان داخل قسم، ويُنتزع منها حلم الأمومة، ويُرمى بها في زاوية النسيان بـ1600 درهم؟”
ثم يتساءل: هل الإصلاح يُصاغ في مكاتب الوزراء، أم يُبنى على كرامة المواطن في الميدان؟
■ عندما يُصبح الإنسان أرخص من الشعارات
بوعيدة اختتم خرجته برسالة غاضبة موجهة للحكومة:
“لا نريد تعويضات ولا دموع، نريد حكومة عادلة، تحمي أبناءها لا تستهين بهم… نريد إصلاحاً يُبنى على سنوات، لا على مزاج كل وزير جديد.”
الخلاصة
الحكومة لا تُقاس بعدد البلاغات، بل بكيفية إنصاف من سقط مظلوماً.
وصالحة اليوم ليست مجرد أستاذة… بل صرخة داخل مدرسة اسمها الوطن.