أفاد مكتب الصرف، في تقريره الشهري الأخير حول مؤشرات المبادلات الخارجية، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت 55,86 مليار درهم بنهاية يونيو 2025، مسجلة بذلك انخفاضًا بنسبة 2,6% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، التي سجّلت خلالها 57,34 مليار درهم.

ورغم أن سنة 2024 كانت قد عرفت بدورها ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 2,1% في مجموع التحويلات (117,71 مليار درهم)، فإن المؤشرات الحالية تُنذر بانعكاس في المنحنى، وهو ما أكّده بنك المغرب بعد آخر اجتماع لمجلسه، حيث توقع أن يستمر هذا التراجع إلى غاية متم السنة، قبل أن يُعاود الارتفاع في 2026 ليبلغ 121 مليار درهم.

لكن بعيدًا عن لغة الأرقام الجافة، يطرح هذا التراجع علامات استفهام سياسية واجتماعية عميقة، تهم العلاقة المتوترة بين مغاربة العالم ووطنهم الأم، في ظل سياسات حكومية وُصفت بغير المراعية لخصوصية هذه الفئة، التي طالما وُصفت بأنها “رئة الاقتصاد الوطني”.

حين يُصبح الوطن مكلفًا… وتذكرة الرجوع حلمًا مؤجلًا

في قلب هذه الأزمة الصامتة، تتجه أصابع الاتهام نحو الحكومة، التي لم تُبدِ أي مرونة أو تجاوب يُذكر مع شكاوى الجالية حول الارتفاع المهول في أسعار تذاكر السفر، وغلاء المعيشة داخل الوطن، ما جعل كثيرًا من أفرادها يؤجلون زياراتهم الصيفية، أو يُلغونها كليًا.

ورغم كون تحويلات مغاربة الخارج هي أول مصدر للعملة الصعبة (بما يفوق 400 مليار درهم سنويًا)، إلا أن الحكومة تصر على معاملتهم كمجرّد صرّاف آلي موسمي، دون التفكير في سُبل التخفيف من كلفة العودة، أو خلق دينامية ثقة تُراعي البعد العاطفي والاقتصادي معًا.

ولم تكن تصريحات مسؤولي السياحة والترويج الرقمي كافية لطمأنة الجالية، بل زادت الطين بلّة، حين اختارت الوزيرة المعنية التغنّي بـ”نسب النمو وعدد الوافدين”، متجاهلة سياقات التململ التي باتت واضحة على منصات التواصل، وفي تقارير الإعلام الدولي.

الحنين لا يصمد أمام الصرف… والحب لا يُقاس بالمليارات

لقد عبّر مغاربة الخارج، مرارًا، عن رغبتهم في الإسهام النشيط في الاقتصاد الوطني، لكنهم يطالبون في المقابل باحترام ذكائهم، وظروفهم، وكرامتهم. فالتحويلات ليست “واجبًا وطنيًا” كما تُصوّره بعض الخطابات، بل فعل ثقة في وطن يُفترض أن يُبادِلهم العرفان بالتيسير لا التبرير.

وإذا كان بنك المغرب يُعوّل على 5 أشهر ونصف من الواردات مغطاة بالعملات الصعبة، فإن الجالية بحاجـة إلى 5 قرارات حكومية فقط: ضبط أسعار التذاكر، تبسيط المساطر، تحسين الاستقبال، الإنصات الحقيقي، وتقدير القيمة الرمزية والاقتصادية لهم.

خلاصة:

التحويلات لا تنضب فجأة… لكنها تنكمش حين يُغتال الشعور بالانتماء.

ومن يراهن على الحنين وحده، سينصدم يومًا بصرامة الأرقام… وجفاء المسافة.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version