ليس من السهل أن يصدر حكم نهائي عن أعلى هيئة قضائية في البلاد، يقطع بوضوح في مسألة الأهلية الانتخابية، دون أن يتحرك ساكن لدى السلطات الإدارية المعنية بتفعيل مقتضيات القانون.
لكن ما حدث – ويستمر في الحدوث – بمدينة مارتيل يؤكد أن بعض القرارات القضائية، مهما بلغت قوتها، قد تبقى معلقة في فضاءٍ من التردد أو الحسابات غير المعلنة.
ففي تدوينة نُشرت على صفحته الرسمية، وجّه محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، نقدًا شديدًا لما اعتبره تماهيًا إداريًا مع خرق صريح للقانون، بعد أن أصبح رئيس جماعة مارتيل فاقدًا للأهلية الانتخابية بحكم قضائي نهائي صادر عن محكمة النقض بتاريخ 22 يوليوز 2025.
المعطيات التي ساقها الغلوسي لا تحتمل التأويل:
الرئيس المدان بجنحة المشاركة في التزوير حُكم عليه بثمانية أشهر حبسًا موقوف التنفيذ، أي ما يتجاوز عتبة الأهلية المحددة في المادة 7 من القانون التنظيمي 57.11، والتي تنص صراحة على فقدان الحق في القيد باللوائح الانتخابية لكل من صدرت في حقه عقوبة حبسية تفوق ستة أشهر، حتى لو كانت موقوفة التنفيذ.
وبالنتيجة، يُصبح سقوط الصفة نتيجة قانونية تلقائية، لا تحتاج إلا إلى إجراء إداري كاشف لا منشئ، وفق منطوق المادة 142 من القانون التنظيمي 59.11.
غير أن عامل عمالة المضيق الفنيدق – إلى حدود كتابة هذه السطور – لم يُبادر إلى إصدار القرار الواجب قانونًا لمعاينة الاستقالة القانونية، ما يُثير تساؤلات مقلقة حول منطق “الإرجاء الإداري في زمن الحسم القضائي”.
المفارقة الكبرى، كما أشار الغلوسي، أن الرئيس المعني بالأمر، وقبل أسبوع فقط من صدور قرار محكمة النقض، بادر إلى تفعيل اختصاصه (المنقضي فعليًا) في إقالة عضو معارض بالمجلس الجماعي، هو المحامي محمد أشكور، بدعوى التغيب عن ثلاث دورات، رغم تقديم هذا الأخير مبررات قانونية مكتوبة.
فأي شرعية أخلاقية أو سياسية تبقى لمسؤول محلي، يُدبّر شؤون مؤسسة عمومية، وقد جرده القانون من صفته التمثيلية؟
وأي أثر يمكن أن تُنتجه قرارات صادرة عن شخص لم يعد يمتلك الشرعية القانونية للاستمرار، لا كرئيس، ولا حتى كعضو بالمجلس؟
أبعد من الشخص والصفة، تساءل الغلوسي بوضوح عن حدود سلطة الإدارة في تأخير تنفيذ حكم قضائي بات، وعن كلفة التردد على مصداقية المؤسسات، لا سيما في ضوء التوجه الدستوري نحو تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
فهل المطلوب من القضاء أن يُصدر الأحكام، ومن السلطة أن تختار ما يناسبها من لحظات التنفيذ؟
وهل يليق بدولة تعلن التزامها بالمساواة أمام القانون، أن تسمح – ضمنًا – باستمرار رئيس جماعة فاقد للأهلية، فقط لأن قرار العامل لم يُحرّر بعد؟
ما أثاره الغلوسي ليس فقط تدوينة فايسبوكية، بل ورقة إحراج سياسي وإداري موضوعة فوق مكتب عامل الإقليم، وضمنيًا فوق طاولة والي الجهة، وربما أبعد من ذلك.
فإن كان الرئيس قد سقط بقوة القانون، فإن عدم تفعيل السقوط يُحوّل الوضع إلى عبث مؤسسي، لا يضرب فقط مبدأ المشروعية، بل يضعف ثقة المواطن في المؤسسات التي تُفترض فيها الحياد والتجرد.
إنها لحظة امتحان للدولة في بعدها المؤسساتي، وللسلطة في احترامها للشرعية، وللإدارة في وفائها لفكرة القانون.