تحوّلت الصفحة الرسمية لفاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلى واجهة ترويجية محترفة تُضاهي حسابات وزراء الخارجية في الدول الغربية. ووسط هذا الحضور الاتصالي المُتقن، أطلت الوزيرة على المغاربة مؤخرا بمفهوم جديد: “الإقامات العقارية المسندة”، الذي وصفت آثاره بـ: “مردودية أعلى للمستثمرين، راحة وخصوصية أكثر للسياح، وزيادة فالطاقة الاستيعابية، واستثمارات إضافية للمغرب.”

الكلام منمق، واللغة مُحترفة، والصورة فائقة الجودة. لكن، وكما هي العادة في الخطاب الحكومي المُزركش، فإن ما يُقال على فيسبوك لا يُشبه ما يُعاش في الأرض.

منشورات وردية… ومُعاناة ترابية

فبينما تُجيد الوزيرة التسويق لخياراتها بلغة ملونة بصيغة المستقبل، يكتشف المواطن – وبخاصة في المدن السياحية – أن الواقع يتّجه عكس هذه الوعود. فمشروع “الإقامات المسندة”، الذي يعني عمليا تمكين المستثمرين من بناء فيلات سياحية وبيعها ضمن منشآت فندقية، يبدو للوهلة الأولى واعدًا… لكن حين يُفكك اقتصاديًا واجتماعيًا، يتضح أنه إجراء آخر يعمق التفاوتات الطبقية ويُحوّل العقار إلى مجال استثماري مغلق على من يملك لا على من يسكن.

إن الوزيرة، بدل أن تُبشّر بإصلاح السياحة في شموليتها، اختارت أن تُسَوّق لنموذج تجاري جديد قد يرفع من أرباح المستثمرين، لكنه لا يرفع شيئًا من المعاناة الاجتماعية ولا يُنقذ طبقات كاملة من مواطنين بدأوا يُطردون رمزيًا من مدنهم، لأن الأسعار لم تَعُد تُناسبهم.

في وثائق وزارة السياحة، يُعرّف “المنتوج الجديد” كجزء من التصنيف الفندقي الجديد لفئة الخمس نجوم، حيث يُسمح للفنادق ببناء فيلات مستقلة وبيعها لأفراد، مع بقاء إدارتها في يد المؤسسة السياحية. الهدف الظاهري هو زيادة الطاقة الاستيعابية وجلب رؤوس أموال إضافية.

لكن ما لا تقوله الوزيرة – ولا يُذكر في منشوراتها – هو أن هذا النوع من المشاريع:

يُساهم في تضخيم أسعار العقار في مناطق سياحية تعاني أصلًا من المضاربة العقارية.

يُحوّل الإقامات إلى أصول مالية غير منتجة للساكنة، بل مُربحة فقط للمالكين.

يُكرس موسمية الاقتصاد السياحي بدل ربطه بالتنمية المستدامة والعدالة المجالية.

بعبارة أوضح، ما يتم تقديمه كحل استثماري، قد يكون جزءا من مشكلة أعمق مرتبطة بتحول المدن المغربية إلى فضاءات استهلاكية لا اجتماعية.

ليس من المبالغة القول إن فاطمة الزهراء عمور تُجيد لغة التواصل الرقمي، وتُتقن كيف تُخرج المشاريع في ثوب براق. غير أن السياسة العمومية لا تُقاس بمهارة “الستوري”، بل بقدرتها على لمس الواقع وتغييره. وحتى الآن، لم تُجب الوزيرة على أسئلة جوهرية:

ما مدى تأثير هذه الإقامات على أسعار الكراء؟

من هم المستثمرون المستفيدون؟ وهل تم احترام مبدأ المنافسة والشفافية؟

ما هي الضمانات بأن لا تتحوّل المدن السياحية إلى مناطق مقفلة على الأغنياء؟

بالمقابل، اكتفت الوزيرة بمنشورات سريعة تتحدث عن “مردودية أعلى” و”راحة أكثر”، وكأن السياحة مشروع خاص لفئة محدودة، لا جزء من سياسة وطنية من المفترض أن تُراعي توازنات مجالية، وعدالة اقتصادية.

في كل موسم، يُطالَب المغاربة – داخل وخارج الوطن – بدعم السياحة الوطنية، وتشجيع المنتوج المحلي، وتحمل تكاليف باهظة من أجل “المصلحة العامة”. لكن حين يتعلق الأمر بقرارات كبرى، كالتي تُكرّس احتكار العقار أو تفتح المجال للرسملة المفرطة، فإن المواطن لا يجد لنفسه مكانًا لا في القرار ولا في الاستفادة.

فهل نُريد فعلا سياحة وطنية؟ أم فقط سوقًا سياحيًا مفتوحًا للزبائن من الخارج والمستثمرين الكبار، فيما يُترك المواطن ليُكافح من أجل كراء غرفة صيفية لا يطيق ثمنها؟

السياسات لا تُقاس بعدد المشاهدات، ولا بعدد “اللايكات” على الإنستغرام، بل بقدرتها على حلّ الإشكالات البنيوية وتوزيع المنافع بإنصاف.
وإن كنا نعترف للوزيرة عمور بقدراتها الترويجية العالية، فإننا لا نجد بعدُ في قراراتها ما يُطمئن المغاربة بأن السياحة ليست مشروعًا تزيينيًا فوق معاناة عميقة.

السياحة لا تُبنى بالإقامات فقط، بل بثقة المواطن، وعدالة الأسعار، واحترام المدن وسكانها.
وإلا فسنعود إلى نقطة الصفر، حيث السياحة تُجمّل… والمواطن يُغفل.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version