بعد أكثر من 16 سنة من تأسيسه، ما يزال مجلس الجالية المغربية بالخارج يُثير الكثير من الأسئلة، ليس فقط حول حصيلته، بل حول طبيعة اشتغاله، وحدود صلاحياته، وأثره الفعلي في حياة ملايين المغاربة في الخارج.

وعلى رأس هذا المجلس، يبرز اسم عبد الله بوصوف، الأمين العام الذي تحوّل، بفعل طول المقام وتراكم الصلاحيات، إلى رمز مركزي يُختزل فيه كل شيء، حتى بات البعض يتحدث عن “البوصوفية” كمنهج في تدبير المؤسسات العمومية.

منذ إحداثه بمرسوم ملكي سنة 2007، كان يُفترض في المجلس أن يكون هيئة استشارية تشتغل على ملفات الهجرة، الهوية، والتعليم، وتواكب تحوّلات مغاربة العالم.
لكن الواقع يكشف غير ذلك. إذ لم يُسجّل المجلس حضورًا مؤثرًا في الملفات الكبرى، من قبيل الإدماج، التمييز، نزع الجنسية، إكراهات التعليم، مشاكل أبناء الجالية، أو حتى الترافع أمام المؤسسات الأوروبية.

المغاربة في الخارج لا يكادون يعرفون من يمثلهم داخل المجلس، ولا كيف تُصرف ميزانيته، ولا من يحدّد أولوياته. وحتى الفاعلون الجمعويون بالخارج يؤكدون أن التواصل شبه منعدم، وأن المجلس يُدار من الرباط، وبمنطق مركزي مغلق.

يُعتبر عبد الله بوصوف من أقدم الأمناء العامين في تاريخ المؤسسات العمومية بالمغرب. فمنذ توليه المنصب في 2007، لم يعرف المجلس أي تداول وظيفي، ولا خضع لأي تقييم رسمي شامل، ولا قدّم حصيلة مفصلة للعموم.

ورغم أن المجلس يُفترض فيه أن يشتغل ضمن روح استشارية جماعية، إلا أن القرار ظل متمركزًا في يد واحدة، والتوجهات تُصاغ من أعلى، في غياب شبه تام لأي توازن داخلي أو دينامية تشاركية.

في تصريح إعلامي موثّق، أعلن عبد الله بوصوف أنه تلقّى أموالًا لبناء مسجد في مدينة ستراسبورغ الفرنسية.
وقال بوضوح:

“بلدية ستراسبورغ منحتني قطعة أرض مجانية، ومبلغًا بقيمة مليون وأربعمائة ألف يورو، والمجلس الإقليمي منح أكثر من مليون يورو… وأنا أشهد أمام الله أنني تلقيت أموالًا من يهود ومسيحيين لبناء ذلك المسجد.”

ورغم أن هذه المبادرة قد تبدو نبيلة في ظاهرها، إلا أن التصريح يطرح أسئلة حارقة حول طبيعة العلاقة بين الشخص والمؤسسة:

هل تم تلقي الأموال بصفته الشخصية أم باسم مجلس الجالية؟

هل تمت العملية بموافقة رسمية؟

هل تم تسجيلها في تقارير مالية أو محاضر رسمية؟

وما علاقة مجلس استشاري بهوية الجالية ببناء أماكن العبادة في أوروبا؟

إن تلقي أموال من جهات متعددة، ولو بحسن نية، يستوجب في كل الحالات التوثيق والمراقبة والمحاسبة، لا سيما إذا تم باسم مؤسسة عمومية تموّل من المال العام.

من الملاحظ أن مجلس الجالية لا ينشر تقارير دورية مفصلة، ولا يُتيح بيانات الميزانية، ولا يُخبر الرأي العام بكيفية صرف الموارد، ولا يُقدم خلاصات اشتغاله.
هذا الغموض يُخالف مبادئ الحوكمة الجيدة، ويجعل من الصعب قياس مدى نجاح أو فشل المؤسسة.

كما أن أصواتًا من الجالية تُعبّر اليوم عن الإحباط من أداء المجلس، مؤكدة غيابه عن الملفات الساخنة، وضعف مواكبته لتحديات الجيل الثالث والرابع من أبناء المهاجرين، فضلًا عن انعدام أثره في الساحة الأوروبية والخليجية مقارنة بمؤسسات مماثلة لدول أخرى.

إذا كان المغرب قد اختار تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن مجلس الجالية لا يمكن أن يبقى استثناءً.
المطلوب اليوم ليس فقط تغيير الأشخاص، بل إعادة التفكير في فلسفة المؤسسة، ومنهجية عملها، وضرورة فتحها على الكفاءات الحقيقية، وتقييم أدائها، ووضع معايير جديدة للتمثيلية، تُعيد الثقة وتُعطي صوتًا فعليًا للجالية في السياسات العمومية.

خاتمة:

الحق في التمثيل ليس امتيازًا شخصيًا، ولا يُبنى بالخطابة وحدها، بل بالحصيلة، والمردودية، والمحاسبة.
ومجلس الجالية، في صيغته الحالية، يبدو بعيدًا عن هذه القيم.
لذلك، فإن “الحقبة البوصوفية” التي طالت أكثر مما ينبغي، لا بد أن تُخضع للتقييم، وأن تفتح على أسئلة الجالية لا على صمت المسؤول.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version