لا يحتاج الشباب المغربي إلى نكبة جماعية تدفعهم للهروب من الحياة… فالعزلة الصامتة، والبطالة المقنّعة، وغياب الأفق، كفيلة بأن تصنع داخلهم انهياراتٍ متتالية، تبدأ باكتئاب خافت، وتنتهي في كثير من الأحيان بإدمان مدمر.
هذا ما تكشفه تقارير وطنية ودولية متعددة، حذّرت من اتساع دائرة الارتباط بين الأمراض النفسية، وعلى رأسها الاكتئاب، وبين تنامي استهلاك المواد المخدّرة والمُدمِنة لدى الشباب.
مشاعر العجز، وفقدان القيمة، وغياب التقدير الاجتماعي، تدفع آلاف المراهقين واليافعين نحو سلوكيات هروبية، تُبرمجهم على الانفصال التدريجي عن ذواتهم.
بحسب معطيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يُقدَّر حجم تعاطي المواد ذات التأثير النفسي والعقلي في المغرب بـ 4.1% من الساكنة، بينما تصل نسبة الإدمان المفرط إلى 3%، وهي أرقام تُخفي خلفها مآسي إنسانية عميقة، لا تُختزل في نسب مئوية.
أما المخدرات القابلة للحقن، فقد تورّط فيها نحو 18,500 شخص، 60% منهم يعانون من التهاب الكبد “سي”، و11.4% حاملون لفيروس السيدا.
ومع ذلك، فإن المخدرات ليست سوى واحدة من بوابات الإدمان. فحسب الإحصائيات، يعيش المغرب تحت وطأة 6 ملايين مدخن، بينهم نصف مليون طفل وقاصر.
وبالتوازي، تمارس شرائح واسعة من المجتمع القمار والرهان بشكل يومي، حيث يتراوح عدد المنخرطين فيه بين 2.8 و3.3 مليون شخص، 40% منهم في خانة “الخطر العالي”.
أما الإدمان الرقمي، فقد تسلّل إلى غرف المراهقين دون إذن، وأغلق أبواب الحوار، وحوّلهم إلى كائنات افتراضية تتهرب من الواقع بلا رجعة.
والمفارقة، أن هذه الانهيارات لا تُثير استنفارًا حقيقيًا في السياسات الحكومية، رغم أن البطالة، والتفاوت الاجتماعي، والهشاشة النفسية، كلها تتقاطع في إنتاج هذا الواقع المتأزم.
ففي غياب منظومة فعالة للصحة النفسية العمومية، ووسط ضعف التوجيه المدرسي والاجتماعي، تتحوّل الانكسارات اليومية إلى أمراض مقيمة لا علاج لها.
وفي هذا السياق، تحذّر منظمة الصحة العالمية من الأثر الكارثي لتعاطي المخدرات، مشيرة إلى أن الكحول يتسبب في وفاة 2.6 مليون شخص سنويًا، بينما تؤدي المواد ذات التأثير النفساني إلى 600 ألف وفاة حول العالم.
في المقابل، تبقى بعض المبادرات الاستثنائية بمثابة نقاط مقاومة مضيئة. من ذلك، المشاريع التي تقودها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، والتي أطلقت مراكز متخصصة في التأهيل النفسي والاجتماعي بكل من الدار البيضاء، مولاي رشيد، وتيط مليل.
هذه المراكز تتبنى مقاربات علاجية متعددة الأبعاد، تجمع بين الدعم النفسي، والعلاج الجسدي، والفن، ومرافقة الأسرة، بغية إعادة دمج المتعافي في نسيج الحياة.
لكن الحقيقة المُرّة أن هذه المبادرات، رغم صدقها، لا تزال محدودة التأثير في ظل طوفان الإهمال المؤسساتي، وغلبة المقاربات الأمنية والجزائية على التعامل مع آفة الإدمان.
وما لم تُدرج الصحة النفسية في صلب السياسات العمومية، وتُعالج الجذور الاقتصادية والاجتماعية للمشكلة، سنستمر في عدّ الضحايا بدل إنقاذهم.
فالإدمان لا يُعالج بالوصم، ولا الاكتئاب يُشفى بالصمت… بل بإرادة دولة ترى في الإنسان قيمة، لا رقماً في تقرير.