رغم سنوات الجفاف المتراكمة، والانخفاض المقلق في مخزون السدود، وتوجيهات الحكومة المتكررة بضرورة ترشيد استعمال الماء في الفلاحة، تكشف الأرقام عن مفارقة تُربك المنطق الرسمي: صادرات المغرب من البطيخ (الدلاح) نحو فرنسا شهدت خلال السنوات العشر الأخيرة قفزة نوعية، تجاوزت بها صادرات إسبانيا، البلد الذي كان يُعد المزود التقليدي الرئيسي لباريس بهذه الفاكهة الصيفية.

أرقام تتكلم… وصمت يثير التساؤل

وفقًا لمعطيات نشرها موقع Hortoinfo المتخصص، قفزت صادرات المغرب من البطيخ إلى فرنسا من 23,96 مليون كيلوغرام سنة 2015 إلى 61,13 مليون كيلوغرام سنة 2024، أي بزيادة تفوق 155%.
في المقابل، لم تسجّل الصادرات الإسبانية نحو نفس السوق سوى نمو طفيف لا يتجاوز 5%، وهو ما يكشف عن تحول جذري في خريطة التزود الأوروبي بهذه المادة، لفائدة المغرب.

ويتوسع الحضور المغربي في أسواق أخرى مثل بريطانيا (9,94 ملايين كيلوغرام) بل وحتى إسبانيا نفسها، التي استوردت حوالي 28,7 ملايين كيلوغرام من البطيخ المغربي سنة 2024.

بين التوجيه والمنع… واقع مزدوج

تأتي هذه الأرقام في وقت فرضت فيه السلطات المغربية، خلال السنوات الماضية، قيودًا على زراعة البطيخ في عدد من المناطق بسبب استهلاكه المفرط للمياه.
حملات التحسيس والإجراءات المحلية كانت تدفع في اتجاه تقليص المساحات المزروعة بالبطيخ، خاصة في مناطق مثل زاكورة والرشيدية وسوس، تحت عنوان “العدالة المائية” و”الأولويات الاستراتيجية”.

غير أن المؤشرات التجارية تُظهر صورة معاكسة: ليس فقط لم يتم تقليص الصادرات، بل تضاعفت وتوسعت في اتجاه أسواق جديدة، ما يطرح سؤالًا صريحًا حول اتساق السياسات العمومية:
كيف تُمنع زراعة الدلاح في الداخل، وتُشجّع شحناته إلى الخارج؟
وهل أصبح البطيخ المغربي “المنتج الذي لا يُستهلك محليًا بل يُعبَّأ للتصدير”؟ أم أن “ترشيد الماء” مجرّد شعار يخضع لمعايير السوق لا لحالة السدود؟

تصدير الماء… بصيغة فاكهة

يرى خبراء ومهندسون فلاحيون أن تصدير المنتجات الفلاحية كثيفة الاستهلاك للماء، مثل البطيخ، يعادل بشكل غير مباشر تصديرًا للمياه الجوفية، خاصة في ظل غياب استراتيجية واضحة لإعادة توزيع العائدات نحو المناطق المنكوبة بالعطش.

ومع غياب أي توضيح رسمي من الجهات المختصة بشأن التناقض بين الخطاب البيئي وسياسات التصدير، يصبح من المشروع طرح السؤال التالي:
هل المياه المغربية الممنوعة على البسطاء، متاحة فقط في شكل فواكه تُعرض في رفوف المتاجر الأوروبية؟

الخلاصة: سياسة بمذاق التناقض

المغرب لا يُلام على تطوير صادراته الفلاحية، بل يُشاد بقدرته التنافسية في السوق الأوروبية.
لكن ما لا يُفهم، هو صمت الحكومة عن تناقض واضح: منع داخلي باسم الجفاف، وتسويق خارجي باسم التصدير.
وبين هذا وذاك، يظل المواطن في المناطق المتضررة من الجفاف يتلقى الدروس في “ترشيد الماء”، بينما تنتقل آلاف الأطنان من البطيخ إلى الضفة الأخرى… دون تفسير.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version