من مستشفى الإدريسي إلى السجون، ومن المحافل الدولية إلى الدفاع عن الصحراء والملكية… وطنيتي التزام لا مصلحة.
بقلم: إدريس السدراوي
رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان
ولدتُ في المغرب، في مدينة القنيطرة، بمستشفى الإدريسي تحديدًا، وكبرت بين شوارعها وأحيائها. هنا تعلمت، وهنا تشكل وعيي، وهنا انطلقت رحلتي في الحياة. لم أكن يومًا طامعًا في وطن بديل، ولم أسعَ يومًا إلى الانتماء لغير هذه الأرض التي أحببتها رغم قسوتها أحيانًا.
عرفت القنيطرة في أفراحها وأزماتها، ومررت بمحن شخصية لا تُنسى، من السجن بسجن العواد، إلى المرور عبر السجن المركزي، فقط لأنني كنت أمارس حقي في التعبير وأدافع عن قضايا مجتمعي. ومع ذلك، لم أتخلَّ عن قناعتي بأن الوطن لا يُبنى بالصمت ولا بالتملق، وإنما بالصدق والمصارحة، وبالإصرار على أن النقد هو أرقى أشكال الوطنية.
دافعت عن المغرب دوليًا في المحافل الأممية، وكنت صوتًا حاضرًا في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية وعن سيادة بلادي، مؤمنًا بمؤسساتها الدستورية وعلى رأسها الملكية، إيمانًا عن قناعة لا عن مصلحة أو منفعة. لم أستفد من هذا الوطن إلا الانتماء إليه، ولم أطلب منه إلا أن يكون وطنًا يحتضن جميع أبنائه دون تمييز.
إن حرية الرأي والتعبير، التي نصّت عليها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأكدها الدستور المغربي، هي حق لا يجوز مصادرته أو تقييده، وهي الضمانة الأساسية لبقاء المجتمعات حية وقادرة على التطور. ومن حقي، كمواطن، أن أبدي رأيي في كل ما لا يعجبني، سواء تعلّق الأمر بمدينتي القنيطرة أو بقضايا الوطن ككل.
أحب هذا البلد، وأريده أقوى وأكثر عدلاً. وحين أرفع صوتي بالنقد، فإنما أفعل ذلك لأنني أريده أن يظل شامخًا، ولأنني أؤمن أن الصمت أمام الفساد أو التراجع خيانة للوطن وللملكية وللقيم التي آمنا بها جميعًا.
وسأستمر بنفس النهج، مدافعًا عن الحق، مناصرًا للعدالة، ومتمسكًا بحقي في أن أكون صوتًا حرًا في وطني الذي لا وطن لي غيره.
—