عاد الجدل إلى الواجهة داخل جماعة سلا، بعد تفجّر ملف ملاحق عقود كراء أربع بنايات مدرسية، موضوع اتفاقية سابقة بين الجماعة والتعاونية القرائية “الوفاق” التي يديرها أطر عليا للتربية والتكوين.
جدلٌ لم يعد محصوراً في التفاصيل الإدارية، بل تجاوزه إلى مساءلة جدوى المشروع، وشرعية امتيازاته، ونوايا من يقفون وراءه.

فريق العدالة والتنمية بالجماعة اختار هذه المرة الخروج من صمته، معلناً رفضه التام للمقترحات الجديدة المتعلقة بتمديد العقود تلقائيًا لمدة تسع سنوات، معتبراً أن الصيغة المطروحة لا تخدم المصلحة العامة، بل تمسّ بجوهر اتفاقية الشراكة التي وُقعت، في الأصل، لدعم التشغيل لا لشرعنة احتكار.

وبلغة حازمة، وصف الفريق هذا الامتداد التلقائي للعقود بأنه “شبه تفويت غير قانوني”، لا يليق بمرفق تربوي يُفترض أن يُدار بروح الخدمة العامة، لا منطق الريع أو الامتياز.
وذكّر المستشارون بأن المجلس السابق كان قد خفّض مدة العقود إلى سنتين ورفع السومة الكرائية بهدف ضمان التوازن، إلا أن تعاونية الوفاق لم تنضبط لتلك القرارات، ما تسبب في تجميد العقد الرابع وتوقيف المسار التوافقي.

غير أن المفارقة المقلقة، حسب الفريق، تتجلى في أن لجنة التتبع، وبعد مرور ثماني سنوات، أعادت فتح الملف لصالح التعاونية، متجاهلة الأسئلة الجوهرية حول الأرباح وعدد المستفيدين من حاملي الشهادات.


وهي أسئلة تؤسس لاتهام أخطر: هل تحوّل مشروع اجتماعي إلى واجهة استثمارية مغلقة؟ وهل لا زال الهدف هو التشغيل، أم أن هناك من يوظف “النيّة الطيبة” لتحقيق أرباح خاصة؟

مصادر إعلامية وصفت ما يجري بـ”الوزيعة المقنّعة”، مؤكدة أن بعض الوجوه المستفيدة من هذه المدارس راكمت ثروات خفية، في غياب أي مراقبة مالية أو تقييم دوري.
أحد هؤلاء، تقول نفس المصادر، أصبح يتنقل بسيارة فاخرة تتجاوز قيمتها 45 مليون سنتيم، فيما يُفترض أن المشروع موجّه لدعم “العاطلين من حاملي الشواهد” وليس لمراكمة الأصول.

وفيما طالب فريق “البيجيدي” بإحالة الملف على القضاء لضمان تحكيم محايد، خرجت جماعة سلا ببلاغ رسمي تؤكد فيه احترامها للقانون ومبادئ الشفافية، مشيرة إلى أن جميع مكونات المجلس، بما فيها الفريق المعارض، سبق أن وقعت على الاتفاقية الأصلية.
الجماعة أضافت أن المراجعة الحالية للعقود تأتي في إطار تصحيح “تراكمات”، لا لتكريس وضع استثنائي، وأن الحوار مفتوح لتطوير الشراكة دون المساس بالمرافق العمومية.

لكن في العمق، يبدو أن ما يُطرح اليوم ليس مجرد نزاع إداري، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة الجماعات على تدبير الشراكات بآليات المراقبة والمحاسبة، بعيدا عن منطق الغنيمة المقنعة بـ”الأهداف الاجتماعية”.

فالتعليم، كما يعلم الجميع، لا يُبنى على التسهيلات، بل على الالتزام والعدالة في توزيع الفرص، أما غير ذلك فليس إلا استثماراً مموهاً بغطاء اجتماعي هشّ.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version