حين تصبح الحصانة هدفًا انتخابيًا أكثر من كونها مسؤولية تشريعية، وحين تختلط لوائح التزكية بمعايير الولاء والقرابة والجاه المالي، يصبح من المشروع طرح سؤال المناصفة لا كامتياز حقوقي، بل كضرورة أخلاقية وسياسية لإعادة التوازن إلى مشهد تمثيلي معطوب.

جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، وهي من أبرز الأصوات النسائية في الحقل الديمقراطي، دعت في بيان حديث إلى إلزام الأحزاب بترشيح النساء بشكل متساوٍ مع الرجال خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، معتبرة أن استمرار التفاوت الحاد داخل مجلس النواب لا ينسجم لا مع روح دستور 2011، ولا مع الفصل 19 الذي جعل من المناصفة هدفًا للدولة ومؤسساتها.

فأن تمثل النساء أقل من ربع البرلمان بنسبة لا تتجاوز 22.78 في المائة، معناه أن هناك خللاً لا يمكن تبريره بالثقافة المجتمعية أو العزوف، بل بأعطاب حزبية وهيكلية يتم فيها تقليص فرص النساء من داخل غرف صناعة القرار الحزبي نفسه.

الدعوة إلى المناصفة اليوم لا يمكن اختزالها في شعار نسوي أو مطلب حقوقي. إنها لحظة مساءلة لنظام التمثيل ككل، ومناسبة لطرح سؤال أبعد: من يستحق أن يمثل المغاربة تحت قبة البرلمان؟ وهل ما زال ممكنا الحديث عن شرعية تمثيلية في ظل تقارير متواترة تفيد بأن بعض النواب يواجهون متابعات قضائية ثقيلة؟ الواقع أن عددًا من البرلمانيين، ولو أنهم ليسوا الأغلبية، يجرون وراءهم ملفات تتعلق بتبديد المال العام، أو استغلال النفوذ، أو تدبير مشبوه للشأن المحلي.

ومن باب الإنصاف، فإن قليلًا من النساء البرلمانيات أيضًا وردت أسماؤهن في تقارير رقابية، لكن النسبة تظل محدودة وغير مقارنة بما أفرزته التزكيات الذكورية من نماذج أثارت الجدل والريبة. وإذا كنا صادقين مع أنفسنا كمجتمع، فإن طرح خيار توسيع تمثيلية النساء هو في حقيقته محاولة لترميم الثقة في مؤسسة يفترض أن تكون بيتًا للرقابة والمحاسبة، لا ملجأً للتهرب من المساءلة.

الجمعية اقترحت ثلاث خطوات عملية لضمان المناصفة، تبدأ بالاستمرار في العمل باللوائح الجهوية أو صيغة بديلة، ثم إدراج قواعد قانونية ملزمة للأحزاب مع آليات جزاء واضحة، وصولًا إلى إقرار دعم مالي استثنائي للوائح التي تترأسها نساء.

والمفارقة أن هذه التدابير تظل أقرب إلى طوق نجاة سياسي في زمن تُفرز فيه الانتخابات مرشحين يعرفون طريق المحاكم أكثر مما يعرفون طريق التشريع. فإذا كنا نؤمن بالديمقراطية، فلا بد من أن نعيد ترتيب الأولويات: من التزكيات القبلية إلى الكفاءة، ومن الحصانة إلى المسؤولية، ومن التحايل الانتخابي إلى الاستحقاق السياسي.

الانتخابات المقبلة ليست مجرد محطة دورية لتجديد المقاعد، بل لحظة فاصلة لإعادة تعريف من يحق له أن يتحدث باسم الشعب، ومن يملك فعلاً الأهلية الأخلاقية والسياسية لفعل ذلك.

الدستور، كما نص عليه، يفتح الباب واسعًا أمام المناصفة، لكن الواقع الحزبي الضيق والمبني على الحسابات والموازنات والترضيات، لا يزال يغلقه بإحكام.

فهل تملك سنة 2026 المفاتيح الحقيقية لفك هذا القفل؟ أم أننا سنكتفي بمناقشة النصوص، بينما تستمر الممارسات في إعادة إنتاج نفس الأعطاب، بأسماء جديدة ونفس النمط القديم؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version