كشفت مصادر إعلامية أن الوكالة الحضرية لمراكش أطلقت طلب عروض دولي لإعداد المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية للمنطقة الميتروبولية، بكلفة تقديرية بلغت ستة ملايين درهم، أي ما يعادل 600 مليون سنتيم.
وذلك في إطار تصور يُفترض أن يُعالج اختلالات عمرانية متراكمة خلال السنوات الأخيرة، بفعل التوسع الديمغرافي وضغط العقار وغياب العدالة المجالية بين الأحياء.

وحسب دفتر التحملات، فإن الهدف من هذه الدراسة هو إرساء تخطيط حضري مندمج يستجيب لتحديات التنمية الحضرية وتغير المناخ، ويُعيد التوازن إلى مجالات طالها التهميش.
لكن المفارقة التي أثارت انتباه المهتمين، أن المشروع يُسند من جديد إلى مكتب دراسات خارجي، رغم توفر الجماعة الحضرية لمراكش على أطر تقنية ومهندسين يتقاضون أجورهم من المال العام دون إشراك فعلي في التخطيط.

هذا الوضع يُعيد طرح سؤال جوهري:
ما دور المهندسين المحليين إذا كانت المهام الاستراتيجية تُفوت إلى جهات خارجية؟
هل تحوّل الموظف العمومي إلى مجرد حامل للصفة، لا صانع للقرار؟
أم أن الجماعات أصبحت تعتمد الإسناد الخارجي كخيار إداري دائم، بغضّ النظر عن الكلفة المالية أو النتائج الملموسة؟

الواقع يؤكد أن جماعة مراكش، كما غيرها من الجماعات، باتت تموّل الدراسات أكثر مما تصنع المشاريع.
المكاتب الأجنبية تُنتج التصورات، فيما تكتفي الكفاءات المحلية بالمراقبة أو التتبع الإداري، بلا تأثير حقيقي على مضمون ما يُرسم فوق ترابها.

المخطط المقترح يَعِد بمنصة رقمية متقدمة، وخرائط تفاعلية ثلاثية الأبعاد، ورؤية شمولية للتحكم في الامتداد الحضري وتحسين جودة الحياة.
لكن كل هذه العناصر التقنية، مهما بلغت دقتها، تبقى حبراً على ورق إذا لم تُربط بإرادة سياسية وإدارية تُمكّن الأطر الوطنية من لعب دورها الكامل في التخطيط والتدبير.

فلا جدوى من إنتاج وثيقة رقمية متطورة في بيئة يغيب فيها التنسيق بين المؤسسات، وتُهمش فيها الكفاءات، وتُفرغ فيها الجماعات من جوهر اختصاصاتها.
ولا معنى لعدالة مجالية تُكتب في مكاتب دولية، بينما الواقع المحلي يصرخ بالهشاشة والعجز.

ما لا يجب التغاضي عنه هو أن هذه الدراسة أنجزت بميزانية ضخمة، في ظل وجود إدارة قائمة ومهندسين مؤهلين، يملكون من الخبرة والمعرفة ما يكفي لو أُتيح لهم المجال.
لكنهم أُقصوا، كعادتهم، في مشهد يختزل أزمة عميقة: إدارة تدفع… ولا تُقرر، وكفاءات تُموّل… ولا تُستثمر، ومواطن يؤدي الثمن في كلتا الحالتين.

لقد أصبح التخطيط الحضري في مراكش ملفاً قابلاً للتفويت، بينما تحوّل المهندس العمومي إلى موظف قابل للنسيان.
ولعل الأدهى أن هذه المعادلة تكرر نفسها في مدن كثيرة، حيث لا يُخطط للمدن من داخلها، بل من خارجها… وبتمويلها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version