أعاد حادث انقلاب سيارة إسعاف تابعة لجماعة تالسينت، كانت تقل سيدة حامل إلى المستشفى الإقليمي لبوعرفة، النقاش حول أعطاب مرفق النقل الصحي إلى الواجهة.

الحادث، الذي وقع على بُعد 25 كيلومترًا من مدينة بوعرفة بإقليم فكيك، أسفر عن إصابة القابلة، والسائق، والسيدة الحامل بكسور، وفق ما أورده مصطفى شناوي، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للصحة، في تدوينة على صفحته بفيسبوك.

الواقعة لم تمر دون ردود، فقد عبّرت النقابة المستقلة للأطر الإدارية والتقنية للصحة والحماية الاجتماعية، في تصريح لجريدة هسبريس، عن “ألم شديد” إزاء ما وصفته بـ”الحادث المروع”، مشيرة إلى أن هذه الفاجعة تكشف مجددًا حجم الاختلالات البنيوية التي يتخبط فيها مرفق النقل الصحي بالمغرب، من تهالك الأسطول، إلى الخصاص الكبير في الموارد البشرية، وانتهاءً بغياب التحفيز والحماية القانونية للعاملين به.

وأضاف المصدر ذاته أن “تقنيي الإسعاف والسائقين يقدمون تضحيات جسام يوميًا، في غياب حماية قانونية أو تحفيز مادي منصف”، محذرًا من أن “أسطول سيارات الإسعاف بات في وضعية تهدد حياة المرضى والمهنيين، من حيث النقص العددي، وسوء الحالة الميكانيكية، وضعف التجهيزات”.

أما أحمد الشناوي، النائب الأول للكاتب الوطني للنقابة المستقلة، فقد أكد، في تصريح لهسبريس، أن “قطاع النقل الصحي يتخبط في اختلالات عميقة”، مبرزًا أن “الأسطول غير كاف، والموجود منه متهالك ومفتقر للتجهيزات الأساسية”، وأن الوزارة اضطرت، في الحادث الأخير، إلى الاستعانة بسيارة جماعية وسائقها بسبب العجز في تقنيي الإسعاف، في وقت يعاني فيه خريجو هذا التخصص من بطالة قسرية”.

لكن اللافت في هذه القضية، كما في قضايا سابقة، هو استمرار وزير الصحة في تقديم تصريحات محمّلة بنَفَس التفاؤل والإصلاح، بينما الواقع يزداد سوءًا.
ففي كل محطة، يخرج الوزير ليؤكد أن هناك “برامج قيد التفعيل” و”لقاءات تنسيقية” و”إصلاحات في الأفق”، لكن الميدان يُكذّب الخطاب، ويكشف أن الإدارة الصحية تشتغل بمنطق “التأجيل المنهجي” لا الإصلاح الملموس.

ما الذي يمنع وزارة الصحة من تأهيل أسطول سيارات الإسعاف بشكل عاجل؟
لماذا لا يتم تشغيل الآلاف من خريجي تقنيي الإسعاف الذين ينتظرون فرصهم منذ سنوات؟
ولماذا تلجأ الوزارة إلى تكليف موظفين إداريين ومساعدين تقنيين بسياقة سيارات إسعاف، وهي مهمة لا تدخل ضمن اختصاصاتهم ولا تكوينهم؟

في كل مرة يُطرح فيها سؤال المحاسبة، يُرد عليه بشعار “نحن في طور الإصلاح”، وكأن الزمن الإداري متوقف، أو أن الأرواح قادرة على الانتظار إلى حين “استكمال الإصلاحات”.

والحقيقة أن الوزير مدعو إلى الخروج من منطقة الراحة البلاغية، والانتقال إلى قرارات عملية تحفظ كرامة الأطر وسلامة المرضى.

لأن لغة “التفاؤل المؤسساتي” لم تعد تُقنع حتى من يرددها، بل صارت جزءًا من الأزمة نفسها.

كما أن استمرار تعويض “المداومة” بصيغته الحالية، الذي وصفته النقابة بـ”أقصى تجليات الاستغلال”، يُعبّر عن منطق بيروقراطي ينظر للعاملين كأرقام في جدول الحراسة، لا ككفاءات تستحق الاعتراف والتحفيز.

فلا يمكن الحديث عن “حكامة صحية جديدة” في ظل استمرار سيارات إسعاف دون تجهيزات، وأطر بدون حماية، وحوادث تَفضح الواقع أكثر مما تُحرّكه.

إن مسؤولية وزارة الصحة اليوم لم تعد تقنية فقط، بل سياسية وأخلاقية. والحفاظ على أرواح المواطنين، وضمان شروط السلامة للعاملين في القطاع، لم يعد ترفًا إصلاحيًا مؤجلاً، بل ضرورة وطنية مُستعجلة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version