لم يعد خافيًا على أحد أن البرلمان المغربي يمر من مرحلة شديدة الحساسية.
بعض مكونات الأغلبية الحكومية، ومعها أطياف من المعارضة، تحولت إلى أدوات تشريعية في يد من يسعون إلى تقويض دولة الحق والقانون.
القضية تتعلق بمادتين فقط، لكنهما تحملان في طياتهما انقلابًا صامتًا على الدستور، ومقدمة لنظام قانوني يخدم الأقلية المحصنة.

الجمعية المغربية لحماية المال العام، عبر رئيسها محمد الغلوسي، أطلقت نداءً سياسيًا وحقوقيًا جريئًا.
الهدف: إيقاف تمرير المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، واللتين اعتبرتهما بوابة نحو الفوضى التشريعية وتكريس الإفلات من العقاب.
المادتان، حسب الجمعية، تضربان عرض الحائط بمبدأ فصل السلط، وتنقلان السلطة من يد القضاء إلى يد الإدارة.

المادة 3، في تفاصيلها، تمنح للمفتشيتين العامتين لوزارتي الداخلية والمالية سلطة توجيه النيابة العامة.
وهو ما يعني عمليًا وضع الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تحت سلطة السلطة التنفيذية.
هذا انقلاب ناعم على الفصل 107 من الدستور، ومس صارخ باستقلالية السلطة القضائية.

أما المادة 7، فتمنح نخبة من المسؤولين العموميين حماية غير مبررة من الملاحقة، خارج أي منطق قانوني.
وهذا خرق صريح للفصل 6 من الدستور، الذي يؤكد أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون، بمن فيهم المسؤولون.
منح هذه الامتيازات لا يمكن فهمه إلا في إطار رغبة لوبيات الفساد في تحصين أدواتها البشرية داخل دواليب الدولة.

الوضع لا يقف عند حدود الانحراف الدستوري فقط.
بل إن تمرير هذه المواد سيضرب مصداقية المغرب دوليًا، خصوصًا أمام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي التزم بها.
أي رسالة نرسلها للعالم حين نُشرّع حماية الفساد بدل ملاحقته؟

الجمعية المغربية لحماية المال العام دقت ناقوس الخطر.
قالتها بصوت مرتفع: البرلمان تحول إلى أداة في يد من يريد إعادة إنتاج الريع.
الصمت الحزبي، سواء في الأغلبية أو المعارضة، لم يعد يُحتمل.
المعركة صارت بين أقلية محصنة ومجتمع تُسحب منه أدوات المراقبة والاحتجاج واحدة تلو الأخرى.

الغريب أن النقاش لا يتمحور حول تحسين أداء العدالة، بل حول تحييدها.
التشريع، بدل أن يكون أداة لحماية المواطنين، يُستعمل اليوم كدرع واقٍ للفاسدين.
ومنظومة العدالة نفسها باتت مهددة من الداخل، لا من الخارج.

الجمعية، من منطلق مسؤوليتها، خاضت احتجاجات وراسلت الأحزاب وعقدت لقاءات مع المؤسسات الدستورية.
لكن يبدو أن جدار الصمت سميك، وأن التواطؤ صار أكبر من مجرد مواقف معزولة.
المعركة الآن في ملعب المحكمة الدستورية، لإنقاذ ما تبقى من روح الدستور.

الرسالة واضحة: هناك دولة تُبنى في العلن، وأخرى تُرسم ملامحها في الكواليس.
تشريعات على المقاس، حصانات فوق القانون، وتحايل باسم “الإصلاح”.
فمن يُوقف هذا التغوّل التشريعي قبل فوات الأوان؟
ومن يُفشل مخططات اللوبي الذي يريد للفساد أن يتحوّل إلى قانون؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version