كشفت مصادر إعلامية أن مصالح وزارة الداخلية بصدد معالجة ملف بالغ الحساسية، يتعلق بما يمكن وصفه بـ”الانزياح الصامت” في تدبير الأملاك العقارية الجماعية، بعد رصد اختلالات خطيرة تمس جوهر الوظيفة العمومية للأرض، وتضع علامات استفهام ثقيلة حول علاقة بعض المنتخبين بالعقار العمومي.

فقد تبيّن، من خلال التقارير المرفوعة، أن مساحات شاسعة من الوعاء العقاري الجماعي تحوّلت إلى موضوع تفويتات مشبوهة، تُسند تحت غطاء الاستثمار، وتُحرّكها في العمق منطق الغنيمة، وتُدار في الظل من طرف شبكات نسجت علاقاتها داخل المجالس الجماعية، وبصمت على صفقات لم تكن التنمية غايتها، بقدر ما كانت أداةً لإعادة توزيع الامتيازات.

الوزير عبد الوافي لفتيت، ووفق نفس المعطيات، وجّه تعليمات صارمة لفتح تحقيقات معمّقة، مع إحالة الملفات ذات الطابع الجنائي على القضاء، فيما شرعت المديرية العامة للجماعات الترابية في عملية جرد وتحفيظ وتحيين للرأسمال العقاري الجماعي، كخطوة لتقليص هوامش التلاعب التي استُغلت في سياقات متعددة، بغطاء قانوني مُتقن الصياغة.

غير أن السؤال لا يتعلق فقط بتدقيق الوثائق، بل بإعادة النظر في هندسة العلاقة بين المرفق العمومي والفضاء الترابي.
فحين تُختزل الأرض في معادلات انتخابية، ويُفهم التفويت كجزء من ميثاق الولاء المحلي، تُصبح الأملاك الجماعية عرضة لتدبير انتهازي، يُضفي عليه القانون مشروعية سطحية، بينما الحقيقة تُكتب في الكواليس.

إننا لسنا أمام مجرد تفويتات غير مُجدية، بل أمام نزيف صامت للذاكرة الحضرية، يُدار باسم الاستثمار، ويُسوّق تحت لافتات التهيئة والتأهيل والمصلحة العامة، بينما الهدف في العمق هو ضمان استقرار خارطة المصالح لا ضمان تنمية المدن.

ولعل “الأطلس الخرائطي” الذي أطلقته الوزارة، بتعاون مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، يشكّل أداة تقنية مهمة، لكنه لن يكون كافيًا ما لم يُقابله وعي سياسي يُعيد الاعتبار للملك العمومي بوصفه رصيدًا سياديًا، لا مجالًا لتفويض الولاءات أو ترتيب النفوذ.

فالخطر اليوم ليس فقط في ما فُوّت، بل في ما سيُفَوّت.
وفي المدن التي لم تُحصَ أملاكها بعد، حيث تستبق بعض الشبكات الورق، وتتحرك كما لو أن العقار العمومي أرض بلا ذاكرة، ومجال بلا حارس.

حين تُصفّى الأملاك العمومية باسم الاستثمار، وتُوزّع بمنطق الغنيمة، يتحوّل الصمت إلى تسوية، ويتحوّل القانون إلى ورقة توقيع، ويتحوّل التمثيل السياسي إلى واجهة تخفي وراءها خرائط معقّدة لا تَعرف للعدالة المجالية اسمًا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version