في مغرب اليوم، لا يحتاج السائق المخالف لأكثر من كيلومترين ليلتقطه رادار رقمي، لكن المريض الذي يئنُّ من الألم قد يحتاج لسنوات كي يلتقطه جهاز سكانير في مستشفى عمومي.

تلك هي المفارقة التي صدمت الرأي العام، بعدما تناقل رواد مواقع التواصل حادثة سيدة نُقلت إلى قسم المستعجلات في حالة صحية حرجة، فكان الردّ الرسمي: “موعد الفحص بعد ثلاث سنوات”.

نعم، ثلاث سنوات! والسيدة مريضة الآن، وتحتاج إلى تشخيص الآن. لا أحد في المستشفى قال إن الأمر خطأ أو استثناء، بل تم طبع الموعد بكل هدوء على ورقة رسمية كأن الزمن في هذه البلاد لا علاقة له بصحة البشر.

رئيس الحكومة يُقدّم الشعارات… والمواطن ينتظر دوره في السكانير

قدم رئيس الحكومة أكثر من مرة رؤيته لـ”تأهيل المنظومة الصحية”، وربطها بورش تعميم التغطية الاجتماعية، واعتبر الصحة أحد الأعمدة الكبرى لنموذج الدولة الاجتماعية.

لكن الواقع يُكذّب كل هذا. فأمام حادثة كهذه، يسقط الخطاب في أول اختبار ميداني، ويظهر أن ما يُقال في البرلمان والبلاغات، لا يجد طريقه إلى قاعات الفحص، ولا إلى أسرّة المستشفيات.

ما فائدة التغطية الصحية إن كان الفحص يتطلب انتظار ثلاث سنوات؟
ما فائدة الخريطة الصحية إن لم يكن فيها مكان لمرضى الاستعجال؟
ما فائدة وزارة الصحة، إن لم تكن قادرة على تأمين الحد الأدنى من الكرامة الطبية للمواطنين؟

وزير الصحة بين الشعارات والمراوغات

أما وزير الصحة، فقد تعوّد على لغة “التحسين التدريجي”، و”مجهودات الرقمنة”، و”تعزيز البنية التحتية”… لكنه لم يجب يوماً عن سؤال بسيط: لماذا لا تزال أجهزة السكانير في المغرب أقل من عدد الرادارات؟ ولماذا كل مستشفى عمومي في المدن المتوسطة والصغيرة يشكو من أعطاب مزمنة في أبسط وسائل التشخيص؟

الوزير الذي يتحدث عن الرؤية والمنصة الرقمية، غائبٌ عن تفاصيل الحياة اليومية لمرضى ينتظرون الفحص كمن ينتظر العفو، أو تدخل محسن.

المشكلة بنيوية… والعار عام

الحادثة ليست استثناءً. بل هي نافذة صغيرة على وضع صحي خطير، لا يتطلب مزيدًا من الوثائق، بل قرارات سياسية عاجلة.

في بلد يموّل الملايير لرقمنة المخالفات ورفع المداخيل الجبائية، لا يمكن القبول بأن تبقى حياة الناس مرهونة بلائحة انتظار لثلاث سنوات.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version