تفاجأ عدد من طلبة الأقسام التحضيرية باختلال جديد في نتائج المباراة الوطنية المشتركة لولوج مدارس المهندسين، بعدما ظهرت ثلاثة أسماء في اللائحة النهائية للناجحين (ADMIS)، دون أن تكون قد وردت ضمن لائحة المقبولين للاختبار الشفوي (ADMISSIBLE)، ما أثار موجة من الشكوك حول سلامة المساطر المعتمدة في تدبير المباراة التي تُفترض فيها أقصى درجات الدقة والانضباط.

المدرسة الوطنية العليا للكهرباء والميكانيك بالدار البيضاء (ENSEM)، المشرفة على تنظيم المباراة، خرجت ببلاغ توضيحي تعترف فيه بأن الأسماء الثلاثة أُدرجت لاحقًا بعد صدور أحكام قضائية لصالحهم، معتبرة أن إعادة إدماجهم تمت وفق القانون، وباحترام للمساطر الإدارية، وأن كل شيء موثّق بمحاضر رسمية.

لكن خلف هذا التوضيح الإداري، يبرز سؤال أكبر من تفاصيل ثلاث حالات: كم من طالب ظُلم ولم يكن له محامٍ؟ كم من مترشح تم حذفه من لائحة النجاح بسبب خلل “تقني” ولم تكن له القدرة أو المعرفة الكافية للطعن أو المطالبة بورقته؟

بلاغ الإدارة أقرّ بوجود خلل في برنامج “Excel”، أدى إلى نشر لائحة أولية مغلوطة، أعقبتها لائحة معدلة تم فيها إقصاء ثلاثين مترشحًا، رغم أنهم اجتازوا المباراة بتفوق، وهو ما اعتبرته تنسيقية الطلبة المهندسين مسًّا بمبدأ تكافؤ الفرص، وضربًا لمصداقية المباريات، خصوصًا حين يتعلق الأمر بتكوين نخب علمية يفترض أن تكون العدالة والشفافية جزءًا من بُناها التكوينية الأولى.

في الحالة الأولى والثانية، ألغت المحكمة محضري غش سابقين، وجرى التأكد من النقاط المحصل عليها، ليُعاد إدماج صاحبيهما ضمن لوائح الشفوي. أما الحالة الثالثة، فتعقدت أكثر: الطالب أقصي بسبب حصوله على 0 في مادة الإنجليزية، ثم بعد تدخل محامٍ ومفوض قضائي، وطلب بإعادة تصحيح الورقة، حصل على نقطة غير إقصائية، وتمت إعادة ترتيبه، ليجد اسمه في المرتبة 76 من الناجحين.

لا أحد يجادل في أهمية تصحيح الخطأ وإنصاف المتضررين، لكن ما يطرح المخاوف هو أن الولوج إلى الحق أصبح مرهونًا بمدى توفر الإمكانيات، والقدرة على التتبع القضائي، والتمكن من آليات الطعن الإداري. ماذا عن الطالب الذي قُصِي في صمت، ولم يتوفر على محامٍ ولا على مفوض قضائي ليطرق باب الإدارة؟

الاختلال ليس في Excel فقط، بل في تعويل إدارة مدرسة لتكوين المهندسين على برنامج جداول غير محصّن ضد الأخطاء، في محطة يفترض فيها أن تكون مخرجات الترتيب مرتبطة بمصائر وتعب سنوات من التحصيل، وهو ما يجعل الاعتراف بالخلل، وإن كان شجاعًا، لا يعفي من المساءلة حول أدوات العمل وسلامة البرمجة والمساطر.

أديب بلعادل، المنسق الوطني لتنسيقية الطلبة المهندسين بالمغرب، قالها بوضوح في تصريح لجريدة “مدار21”: “مثل هذه التجاوزات تسيء لسمعة هذه المدارس وتضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص”، مضيفًا أن الأخطر من ذلك أن يقع هذا الخلل داخل مدرسة لتكوين النخب، حيث يُفترض احترام التنافسية بين جميع المترشحين، لا أن يتم التراجع عن أسماء ثم إدراجها من جديد بناءً على تدخلات استثنائية.

وأكد بلعادل أن إنصاف ثلاث حالات لا يُلغي احتمال وجود عشرات الحالات الأخرى التي استسلمت للأمر الواقع، أو لم تكن لها القدرة على المطالبة بحقها، متسائلًا: “كم من طالب تعرض لظلم مماثل لكنه لم يملك القدرة على الطعن أو اللجوء إلى المحكمة؟”.

وإذا كان الخطأ واردًا، فإن تكراره، وبهذا الشكل، يفتح نقاشًا أكبر حول الحوكمة التقنية في مؤسسات يُفترض أن تُدرّس وتُمارس الدقة، لا أن تقع في هفوات تؤدي إلى كسر مصائر.

ربما يكون هذا الجيل قد اجتاز اختبار الرياضيات والفيزياء، لكنه يواجه اليوم اختبارًا أصعب: اختبار في العدالة، الشفافية، والنزاهة… قبل أن يصبح مهندسًا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version