أطلقت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا) مذكرة تنظيمية حول مراقبة سرعة الدراجات النارية، تضمنت إجراءات ميدانية جديدة، من بينها إلزام السائق بالصعود إلى دراجته لإجراء اختبار السرعة بواسطة جهاز تقني. إجراء قد يبدو للوهلة الأولى عادياً في سياق تعزيز السلامة الطرقية، لكنه سرعان ما كشف عن خللٍ في التوازن بين سلطة التنظيم ومبدأ الشرعية القانونية.
فالدورية، رغم دقتها التقنية، تقف على أرضية قانونية رخوة. إذ لم يصدر أي مرسوم أو قرار وزاري يجعل من “اختبار السرعة أثناء الركوب” إجراءً ملزمًا للمواطن، ولا توجد أي مادة في مدونة السير تُجيز الحجز في حال الامتناع عن هذا النوع من الفحص. وبذلك، تحوّلت المذكرة إلى نص يُنتج أثرًا قانونيًا دون أن يمتلك شرعيته.
كشفت مصادر إعلامية أن المادة 94 من مدونة السير، التي تحدد حالات الحجز، لم تتطرق إطلاقاً إلى وضعية الامتناع عن الصعود، مما يجعل أي حجز للدراجة النارية بناءً على هذا السبب معرضًا للطعن القضائي. والأسوأ، أن هذه الوضعية قد تُسائل حتى الدولة عن مسؤوليتها إذا وقع حادث خلال هذا “الاختبار الميداني المفروض”.
ويرى مهتمون بالشأن القانوني أن الوكالة، بحسن نية، وقعت في فخّ “المبالغة في التنظيم” على حساب الضمانات القانونية. فالرغبة في ضبط المخالفات لا يمكن أن تُبرر القفز على منطق التشريع، ولا تحويل التعليمات الإدارية إلى بديل عن النصوص القانونية.
إن ما يثير الاستغراب أن المذكرة لم تفتح أي نقاش حول أثر هذا الإجراء على الحريات الفردية، ولا حول الإطار الذي يُنظّم العلاقة بين المواطن وأعوان المراقبة. فهل يمكن مطالبة المواطن بالخضوع لفحص غير منصوص عليه؟ وهل يُعتبر رفضه “عدم امتثالًا”؟ وما هو التوصيف القانوني لهذا الرفض؟ كلها أسئلة ظلت المذكرة صامتة أمامها.
قد يكون من المفيد أن تُعيد الوكالة النظر في مضمون المذكرة، أو أن تُفعّل المقاربة التشاركية مع الفاعلين القانونيين قبل إصدار إجراءات ميدانية بهذه الحساسية. فـالسلامة الطرقية لا تحتاج فقط إلى أجهزة قياس السرعة، بل إلى احترام السرعة القانونية التي يتحرك بها القانون نفسه.