تحولت مناصب العمال العرضيين، التي وُجدت لتكون مؤقتة ومرتبطة بمهام محددة، إلى أداة سياسية لتوزيع الامتيازات وبناء شبكات الولاء داخل الجماعات الترابية.

واقعٌ يكشف أن بعض المجالس لم تعد تُدار بمنطق الخدمة العمومية، بل بمنطق “الخزانات الانتخابية”، حيث يتم إغراق المصالح بأشخاص مقرّبين من المنتخبين، بينما يُقصى الموظفون الرسميون والأطر التقنية.

كشفت مصادر موثوقة أن المصالح المركزية بوزارة الداخلية، عبر مديرية تنمية الكفاءات والتحول الرقمي، فتحت أبحاثاً إدارية موسعة في تدبير الموارد البشرية بعدد من الجماعات، بسبب توظيف مياومين وعرضيين خارج الضوابط، ما سمح لدوائر قريبة من بعض الرؤساء بالتحكم في أقسام ومصالح جماعية أساسية.

ووفقاً لمعطيات دقيقة، فإن التقارير الإقليمية المرفوعة إلى الإدارة المركزية سجلت خصاصاً خطيراً في الكفاءات التقنية، خصوصاً في مجالات الهندسة والمعلوميات والصيانة، لكن بدلاً من سد هذا العجز عبر مباريات استثنائية مضبوطة، تم اللجوء إلى التوظيف العرضي كمسلك سهل لتمرير الأقارب والموالين.

الأبحاث الجارية ركزت كذلك على معطيات واردة في تظلمات موظفين رسميين، تحدثوا عن تهميشهم لفائدة عرضيين جرى إخراجهم من سلك المياومين أو ترسيمهم بشكل غير مبرر، ليصبحوا لاحقاً متحكمين في مصالح جماعية، بل ومزودين بامتيازات مبالغ فيها، مثل الاستفادة من سيارات الدولة أو التدخل في القرارات الإدارية دون أي سند قانوني.

وكانت وزارة الداخلية قد حذرت، في مراسلة سابقة لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، من الانفلات الذي يطبع وضعية هذه الفئة، مطالبة العمال والولاة بإلزام رؤساء الجماعات بتطبيق منشور 2009 المنظم لتوظيف العرضيين، وموافاة الإدارة المركزية بتقارير مفصلة حول أعدادهم وتكاليفهم المالية المتزايدة على ميزانيات الجماعات.

إن ما تكشفه هذه الأبحاث لا يتعلق فقط بخروقات في التدبير الإداري، بل يفضح منطقاً خطيراً يربط الموارد البشرية بالولاء الانتخابي، ويحوّل المال العمومي إلى قناة للريع السياسي. ذلك أن الجماعات الترابية، التي يُفترض أن تكون قريبة من المواطن وحاجياته، صارت في بعض المناطق فضاء لتوزيع الغنائم على الأقارب والأتباع، في استهتار بقواعد الكفاءة وتكافؤ الفرص.

ويبقى السؤال المفتوح: هل ستظل المناصب المؤقتة أداة لإعادة إنتاج الولاءات، أم أن وزارة الداخلية ستنجح هذه المرة في إغلاق منافذ الريع الانتخابي داخل الجماعات؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version