تحول حلم تنظيم كأس العالم من لحظة إجماع رمزي إلى مشروع مركزي تتحرك في ظله شبكات القرار والصفقات، وتتشكل تحالفات السلطة والمال في نسختها المعولمة، حيث يُسوّق للمونديال باعتباره قاطرة تنموية شاملة.

غير أن العمق يكشف مجالاً لإعادة رسم موازين القوى داخل الدولة بين من يملك القرار ومن يملك النفوذ ومن يملك العلاقات الدولية.

المثير أن من يقود هذا الورش الاستراتيجي لا يُعرف بخطاب سياسي أو انتماء حزبي، بل يستند إلى نفوذ هادئ ومراكمة مواقع التأثير داخل مفاصل المال العام والرياضة والحكومة والعلاقات الدولية، وهو ما يمنحه القدرة على تحريك الملفات الكبرى باسم المصلحة الوطنية، دون أن يخضع دوماً لمساءلة برلمانية أو نقاش عمومي واسع.

لقد أصبح المونديال غطاء لتوسيع دائرة القرار خارج المؤسسات المنتخبة، فتحولت صفته من مشروع رياضي إلى مشروع سياسي ومالي موازٍ، يُعيد ترتيب الأولويات الاقتصادية ويبرمج الاستثمارات وفق أجندات لا تُناقش في البرلمان ولا تُصاغ في المؤسسات، بل تُحسم في دوائر محدودة وتُمرر بهدوء في الإعلام الرسمي.

في هذا السياق، يُطرح سؤال الشفافية ليس فقط في صفقات الإنجاز، ولكن في فلسفة المشروع نفسها: من يقرر ما إذا كان تنظيم كأس العالم أولوية في زمن الأزمة المعيشية؟ من يراقب التكاليف والربح والخسارة؟ ومن يضمن أن المونديال لن يتحول إلى نسخة مكررة من مشاريع كبرى لم تترك سوى الديون والتفاوتات؟

لقد صار هذا الملف واجهة جديدة لعقلية تفضل التدبير غير العلني، وتستعمل الرمزية الوطنية لتوسيع دوائر القرار خارج النقاش العمومي، وكأن الأمر يتعلق بمسار يُدار في الخلفية أكثر مما يُعرض على الرأي العام.

مونديال 2030 كما يُدار اليوم ليس مجرد تظاهرة كروية، بل هو امتحان حقيقي لمفهوم السيادة المالية والسياسية، ولعلاقة الدولة بالمجتمع، ولسؤال: من يملك القرار فعلياً حين تتحول المشاريع الكبرى إلى أدوات للنفوذ بدل أن تكون رافعة للعدالة المجالية؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version