في خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الحكومة تعليق حملة مراقبة الدراجات النارية ومنح مهلة انتقالية لمدة سنة. قرار بدا في ظاهره حلاً وسطاً، لكنه في العمق يعكس صعوبات متراكمة في إدارة ملف حساس يمس حياة آلاف الأسر المغربية.
المفارقة أن القرار صدر صباح يوم، ليُؤجَّل في اليوم الموالي. هذا التذبذب يكشف بوضوح عن ضعف التنسيق داخل السلطة التنفيذية، حيث تُدار الملفات في كثير من الأحيان بمنطق رد الفعل لا بمنطق التخطيط المسبق. وكأن بعض المؤسسات العمومية تتحرك بمعزل عن التوجه الحكومي العام، وهو ما يطرح تساؤلات حول فعالية آليات الرقابة والتنسيق.
الدراجات التي يستعملها المواطنون لم تسقط من السماء؛ فهي ولجت الموانئ، واجتازت مساطر الجمارك، وحصلت على وثائق رسمية مختومة من إدارات الدولة نفسها.
فكيف تتحول فجأة إلى “مخالفة” تستوجب العقاب؟ ألا يقتضي المنطق أن تبدأ الرقابة من المصدر، أي من الموانئ والشركات المستوردة، بدل ترك السوق مفتوحة لسنوات ثم تحميل المواطن البسيط وزر فوضى لم يصنعها؟
لقد اختارت الحكومة الطريق الأقل تكلفة سياسياً: الضغط على المستهلك، بدل مواجهة لوبيات الاستيراد التي استفادت من الوضع. النتيجة أن المواطن وجد نفسه الحلقة الأضعف في معادلة معقدة، بينما المستفيدون الحقيقيون ظلوا بعيدين عن أي مساءلة.
هذا الوضع يبرز محدودية السياسات العمومية في استباق الأزمات. فعوض وضع سياسة نقل شاملة تراعي العدالة الاجتماعية وتوازن بين السلامة الطرقية ومصالح المواطنين، تُعتمد مقاربات جزئية ومؤقتة لا تحل الإشكال من جذوره.
الأهم أن ما جرى يُظهر الحاجة الماسة إلى انسجام أوضح بين الحكومة وباقي المؤسسات العمومية. فالتناقض في القرارات لا يمس فقط صورة الدولة أمام المواطنين، بل يضعف أيضاً الثقة في جدية الإصلاح.
إن ما وقع لا يمكن اعتباره إصلاحاً حقيقياً، بقدر ما هو تدبير مرحلي مؤقت. أما الإصلاح الجاد فيقتضي مواجهة مراكز النفوذ الاقتصادية والإدارية، وتفعيل الرقابة من المنبع، بدل الاكتفاء بقرارات ظرفية تُلقي العبء على المواطن.