أقدمت المملكة، خلال هذا العام، على فتح أسواقها أمام اللحوم البرازيلية عبر استيراد عشرين ألف طن من لحوم الأبقار والأغنام دون رسوم جمركية، في خطوة وُصفت بأنها تجارية في ظاهرها، لكنها تنطوي على أبعاد أعمق تتجاوز منطق العرض والطلب لتلامس هندسة السوق الغذائية وتوازناتها الداخلية.
كشفت مصادر إعلامية أن هذه الاتفاقية جاءت في سياق توسّع برازيلي لافت داخل القارة الإفريقية، بعد أن أبرمت نيروبي، ولأول مرة، اتفاقاً صحياً يتيح لها استيراد اللحوم من ذات المصدر. بذلك، تتحول البرازيل من مورد تقليدي لأسواق مصر وجنوب إفريقيا ونيجيريا إلى لاعب يتمدد شرقاً وغرباً، فارضاً حضوره على حساب منافسين أوروبيين طالما اعتادوا الإمساك بمفاتيح السوق الإفريقية.
البرازيل اليوم تقف في طليعة مصدّري لحوم الأبقار، بحصة تناهز 25% من السوق العالمي، مع عائدات يُرتقب أن تتجاوز أحد عشر مليار دولار خلال سنة 2025. غير أن هذا التوسع، على زخمه، يظل رهيناً بتحديات لوجستية ورقابية، حيث تشترط الدول المستوردة معايير دقيقة للتتبع وضمان السلامة الصحية، وهي معايير قد تضعف عند أول اختبار في القارة الإفريقية.
أما في المغرب، فإن السؤال الملحّ يظل معلقاً: هل يُسهم هذا الانفتاح في كبح موجة الغلاء التي أنهكت القدرة الشرائية للمواطن، أم أنه يفتح الباب لمرحلة جديدة يُقصى فيها المنتج المحلي من حلبة المنافسة؟ وهل تتحول الموائد المغربية إلى مختبر لتجريب اللحوم القادمة من وراء المحيط، في وقت ما يزال فيه الفلاح الوطني يواجه أثقال الأعلاف وتناقضات الأسواق العشوائية؟