بقلم: عبد الفتاح الحيداوي

السجن بلا حمّام.. سجن الرماني
وحين يفيض بك العرق، أو تضيق بك الرائحة، لا تجد سوى مرحاض قذر تتقاسمه مع أكثر من خمسين نفسًا محشورة في زنزانة لا تتنفس، بل تختنق. تريد أن تغتسل؟ فلتنتظر أن يقضي من قبلك حاجته، وإن دخلت، فعليك أن تعتذر لعابري البول والغائط، فالمكان ليس لك وحدك. لا خصوصية هنا، لا حواجز، لا أبواب… الجدران وحدها من تسهر على العورات.
بعضنا ينام على أسِرّة من معدنٍ بارد، والبعض الآخر على الأرض، يفترش الأمل ويلتحف الصبر. وفي كل صباح، تقف كجندي مكسور، رأسك إلى الأرض، وظهرك للحارس، تنتظر النداء:
“واحد… جوج… تلاتة…”،
صوت الحارس يجلجل، ليس للإحصاء فقط، بل لفرض الطاعة. الطابور يطول لأجل فنجان قهوة أو شاي لا علاقة له بالقهوة ولا الشاي. نصفه ماء، والنصف الآخر لا تسعفه قواميس اللغة، ولا تنصفه عادات المغاربة في الضيافة.
أما الغداء؟ فدعك من التفاصيل… رائحة بلا اسم، طعام بلا طعم، وقدر من العدم يكفي لتأكيد أنك ما زلت حيًا.
وإذا مرضت؟
تذهب للطبيب فتجد جزارًا ببذلة بيضاء.
يتحدث بلغة الحراس، لا بلغة الطب.
يصرخ، يسب، يشتم، يهدد.
يرفض اعطاء الدواء، يعاند، يتلذذ بسلطة من لا سلطة له.
حينها، يبدأ الشك بالتسلل: هل الطبيب ابن المهنة، أم ابن الزنزانة؟
هل الأبيض لون الرحمة… أم قناع جديد للسادية؟
كادت التجربة أن تجعلني أكره الطب، وأكره من درس الطب، ومن ابتدع الطب، لأن الجلاد حين يلبس ثوب الرحمة يصير أكثر قسوة ممن يحمل العصي.
هنا، لا برنامج لإصلاح ولا تأهيل.
لا مسجد يُؤم فيه السجناء، ولا خزانة تحرسها الكتب.
المسرح؟ ترف.
الأنشطة؟ خيال.
حتى الصلاة تصير ضربًا من الخفاء.
أما مدير السجن، فله جملة شهيرة قالها يومًا:
“هل تظن نفسك في نُزُل سياحي؟ هل تحلم؟ فاستيقظ، أنت في الحبس!”

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version