مرة أخرى، يجد ملف إصلاح التعليم العالي طريقه إلى واجهة الجدل السياسي، بعدما اختارت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، مساءلة وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حول مشروع القانون 59.24.

سؤال برلماني، لكنه في العمق أقرب إلى جرس إنذار، باعتبار أن النص الجديد، في نظرها، يهدد مكتسبات الجامعة العمومية ويمس بجوهر الديمقراطية الجامعية.

كشفت النائبة أن المشروع صيغ في غياب إشراك فعلي للأساتذة والطلبة والنقابات، وهو ما يطرح سؤالاً عريضاً حول جدية الحكومة في احترام المقاربة التشاركية التي كثيراً ما تتغنّى بها في خطاباتها الرسمية.

فإذا كان إصلاح مؤسسة بحجم الجامعة المغربية يتم خارج قنوات المشاركة، فما الذي يتبقى من الشعارات حول “الديمقراطية التشاركية” و”الحكامة الجيدة”؟

وتشير مضامين المشروع إلى توجه واضح نحو تقليص صلاحيات المجالس المنتخبة، وتغليب منطق المقاولة على حساب الاستقلالية الأكاديمية.

كما أنه يفتح الباب أمام انسحاب تدريجي للدولة من تمويل الجامعة العمومية، مقابل توسيع المساحات أمام القطاع الخاص. وهو ما يثير مخاوف حقيقية بشأن تكافؤ الفرص وإمكانية تكريس جامعة بطبقتين: جامعة للنخبة المقتدرة وأخرى للهامش الباحث عن الفتات.

أما النقطة الأكثر خطورة، فتتمثل في محاولة إلغاء المادة 72 من القانون 01.00، التي تضمن قانونياً وجود مكاتب ومجالس الطلبة، وتعويضها بمقتضيات جديدة لا تسمح إلا بإنشاء أندية ثقافية أو رياضية أو فنية، تحت شروط مقيدة. خطوة قد تُقرأ كإقصاء ممنهج لصوت الطلبة، وإضعاف حقهم المشروع في التنظيم والدفاع عن حقوقهم داخل الحرم الجامعي.

الأسئلة التي وجهتها التامني لوزير التعليم العالي لا تبدو تقنية فقط: ما مبررات إقصاء المكونات الجامعية من نقاش بهذا الحجم؟ وكيف ستضمن الحكومة استقلالية الجامعة وحقوق الطلبة؟ وما البدائل التمويلية التي ستوفرها بعيداً عن منطق الخوصصة؟ إنها في جوهرها أسئلة تمس صدقية خطاب الإصلاح برمته.

وفي انتظار جواب رسمي، يبقى الهاجس قائماً: هل نحن أمام إصلاح يعيد الاعتبار للجامعة العمومية، أم أمام هندسة جديدة تُخرج الدولة من المشهد وتترك مصير التعليم العالي رهينة حسابات السوق؟


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version