في أول تجربة فعلية لتفعيل نظام العقوبات البديلة بالمغرب، أصدرت المحكمة الابتدائية بأكادير، يوم الجمعة 22 غشت 2025، حكمًا غير مسبوق في ملف جنحي تلبسي يتعلق بالمشاركة في الاتجار في الخمور، حيث تم استبدال عقوبة الحبس النافذ لمدة شهرين، بأداء غرامة مالية قدرها 500 درهم، بالإضافة إلى عقوبة بديلة تنص على دفع 300 درهم عن كل يوم سجن، أي ما مجموعه 18 ألف درهم مقابل عدم دخول السجن.

هذا الحكم، وإن كان يُعتبر على المستوى الإجرائي “نقلة نوعية” في تنزيل بدائل العقوبات السالبة للحرية، إلا أنه فجّر جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والسياسية، حيث اعتبره عدد من المتتبعين انطلاقة مرتبكة لمشروع كان يُراهن عليه في تعزيز كرامة المواطن، لا إعادة إنتاج اللامساواة.

وُجهت الانتقادات من زوايا متعددة، أبرزها ما عبّر عنه خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي، الذي تساءل في تدوينة له على فيسبوك:

“ماذا يعني أن يكون أول حكم يصدر في هذا النظام بجرم المتاجرة في الخمور؟”

واعتبر الصمدي أن مثل هذا القرار، يُرسل رسائل متضاربة حول فلسفة الردع، خصوصًا أن جريمة من هذا النوع لا تمس فقط النظام العام، بل تنطوي على بعد مجتمعي وأخلاقي حساس. والأخطر من ذلك، حسب تعبيره، هو خلق “عدالة بميزان الحساب البنكي”: الغني يدفع ويغادر، والفقير يُحبس وينسى.

من جانبه، وصف الأستاذ الجامعي عبد الحق غريب الحكم بأنه قد يكون “بداية الخراب”، لِما يحمله من تهديد خفي لمنظومة الردع والثقة العامة في مؤسسة القضاء، مؤكدًا أن تغليب منطق الأداء المالي على مبدأ العقوبة الزجرية قد يزرع شعورًا دفينًا بالظلم، خاصة لدى الفئات التي تعجز عن الأداء.

وبين من يرى أن العقوبات البديلة خطوة نحو عصرنة العدالة الجنائية، ومن يعتبرها بوابة لتحويل القانون إلى “خدمة مدفوعة”، يظل السؤال معلقًا:
هل نحن أمام تجربة إصلاحية فعلية؟ أم أمام انزلاق قد يُعيد إنتاج الفوارق من باب القضاء؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version