بينما يعيش المغاربة على وقع غلاء معيشة خانق وارتفاع الأسعار في كل تفاصيل حياتهم اليومية، اختارت الأحزاب السياسية أن تفتح ملفاً مثيراً للسخرية: المطالبة بزيادة عدد أعضاء مجلس النواب، بدعوى توسيع المشاركة السياسية وإعطاء مساحة أكبر للشباب والنساء والجالية.

مطلب يبدو في ظاهره إصلاحياً، لكنه في الجوهر يعكس خللاً عميقاً في إدراك معنى التمثيلية السياسية وفي احترام المال العام.

البرلمان المغربي يضم اليوم 395 نائباً، ورغم ذلك فإن قاعة الجلسات العامة كثيراً ما تُظهر حقيقة مُحرجة: مقاعد شبه فارغة عند مناقشة أو التصويت على قوانين مفصلية.

كم من مشروع قانون مالي مرّ بأصوات معدودة؟ وكم من نصوص مؤثرة على حياة ملايين المغاربة صُودق عليها في ظل غياب عشرات النواب الذين يفترض أن يمثلوا الأمة؟

إذا كان الحضور غائباً بالعدد الحالي، فهل ستُعالج الزيادة في المقاعد هذا الخلل، أم أنها مجرد توسيع لفراغ أكبر؟

كل مقعد جديد يعني عبئاً إضافياً على المال العام: أجور، تعويضات، سيارات، مكاتب، سفرات، وتجهيزات…

في وقت يعاني فيه المواطن من أسعار الوقود، الخضر، الماء، والكهرباء، وفي زمن تُبرَّر فيه القرارات القاسية بشعار “شد الحزام”، يصرّ السياسيون على فكّه لمصلحتهم الخاصة.

إنها مفارقة صارخة: المال العمومي يتجه إلى مضاعفة الامتيازات، بدل توجيهه إلى مستشفى يفتقر إلى تجهيزات، أو مدرسة تئن تحت اكتظاظ الأقسام.

تبريرات الأحزاب لا تصمد أمام النقد.

الحديث عن “فتح المجال للشباب” ليس سوى إعادة إنتاج لريع سياسي جديد، لأن الشباب الذي لا يجد فرصاً للشغل أو مساحة للتعبير الحر لن تُقنعه لائحة وطنية شكلية.

أما النساء، فإن مشاركتهن الحقيقية لا تحتاج مقاعد إضافية بقدر ما تحتاج أحزاباً تفتح لهن المجال في القيادة لا في الزينة.

والجالية المغربية بالخارج التي تُرفع شعارات تمثيلها، لا تزال محرومة حتى من التصويت المباشر، فكيف تُمنح لها مقاعد رمزية دون أن تُعطى أولاً حقوقها الانتخابية؟

الأدهى أن هذا الجدل يُطرح في سياق مثقل بملفات تضارب المصالح، حيث تداخل الثروة بالسلطة أصبح علامة مميزة للمشهد السياسي.

بدل أن ينكبّ النقاش على إصلاح قواعد الشفافية، وضبط علاقة المنتخبين بالصفقات العمومية، وإرساء آليات ربط المسؤولية بالمحاسبة، تفضّل الأحزاب الانشغال بتوزيع “الكعكة العددية” على نفسها.

إن المطلب الحقيقي اليوم ليس زيادة المقاعد، بل زيادة القيمة.

زيادة في حضور النواب داخل الجلسات.

زيادة في جرأة البرلمان على مراقبة الحكومة.

زيادة في إنتاج التشريعات التي تجيب عن أزمات الماء والبطالة والتعليم والصحة.

زيادة في استعادة الثقة المهدورة بين المواطنين ومؤسساتهم.

في النهاية، لا يحتاج المغرب إلى برلمان أكبر، بل إلى برلمان أصدق.

فالإصلاح ليس في تضخيم الأرقام، وإنما في إعادة الاعتبار لمعنى التمثيلية، وحماية المال العام من عبث سياسي لم يعد يحتمله الشارع.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version