خرج العشرات من ساكنة دوار إغرضان، وتحديداً دواوير تاوريرت وآيت وهرماش التابعة لجماعة فم العنصر بإقليم بني ملال، في مسيرة احتجاجية صباح الاثنين 25 غشت، مشياً على الأقدام في اتجاه ولاية جهة بني ملال–خنيفرة، رافعين شعارات تطالب برفع التهميش والإقصاء الذي يثقل كاهل المنطقة منذ سنوات طويلة.

المحتجون، الذين قطعوا مسافات شاقة وصولاً إلى مستوى طريق مودج، أكدوا أن نزولهم إلى الشارع ليس ترفاً ولا اندفاعاً عابراً، بل ضرورة أملاها واقع غابت فيه أبسط شروط العيش الكريم. الماء الصالح للشرب ما يزال مطلباً عالقاً، والطرق غير المعبدة تواصل فرض العزلة، فيما يظل الوصول إلى المؤسسات التعليمية أو المراكز الصحية مغامرة يومية تتطلب الصبر أكثر مما تتطلب الوسائل.

هذا المشهد يعيد رسم ملامح المفارقة الكبرى: المغرب يسير بسرعتين. سرعة أولى، على مقاس العرّاب ومشاريعه العملاقة: ملاعب المونديال 2030، القروض الدولية، الأوراش المليارية التي تملأ الصحف الرسمية. وسرعة ثانية، بطيئة ومثقلة بالتراب والعطش، يعيشها مواطنون في دواوير معزولة لا يطالبون سوى بجرعة ماء وقطعة طريق.

شعارات ساكنة إغرضان لم تكن موجهة ضد أحد بالاسم، لكنها كانت تصرخ في وجه السياسات التي تركت مناطق بأكملها خارج التاريخ. حين يشتد الحر في الصيف ولا يجد الناس ماءً يطفئون به عطشهم، وحين يصبح الوصول إلى المدرسة امتحاناً يومياً للأطفال، فإن السؤال لا يحتاج إلى خطط استراتيجية ولا تقارير رسمية، بل إلى قرار سياسي شجاع يضع الإنسان قبل الصورة.

وهنا يطلّ السؤال المفخخ: هانت يا عرّاب السياسة، أليس من المخجل أن نُهيّئ ملاعب المونديال في ظرف سنوات معدودة، بينما تبقى طرق دواوير بني ملال مجرد وعود مؤجلة؟ أي منطق في دولة تشتغل على جذب أنظار العالم، وتغض الطرف عن عيون مواطنيها الذين يسيرون حفاة في مسيرات طلباً للماء؟

المحتجون طالبوا السلطات الإقليمية والجهوية بالتدخل العاجل لوضع حد لمعاناتهم المزمنة، وإدراج مطالبهم البسيطة في صلب برامج التنمية المحلية. لكن الرسالة أعمق من ذلك: إنها صرخة من هامش البلاد إلى قلبها، تقول إن التنمية ليست ملاعب ومؤتمرات وصور مع المستثمرين، بل ماء يشربه الأطفال وطريق تحفظ كرامة العابرين.

في النهاية، المسافة التي قطعها أبناء إغرضان مشياً على الأقدام تختصر المسافة الحقيقية بين دولتين داخل بلد واحد: دولة تلمّع صورتها بالعقود الدولية، وأخرى تسير ببطء تحت الشمس، تبحث عن الحق في الحياة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version