كشفت مصادر إعلامية أن مدينة مكناس تعيش منذ أسابيع على وقع جدل صاخب، بعدما انطلقت أشغال بناء ملعب قرب بساحة لالة عودة، المحاذية لمسجد تاريخي يعود للعهد المريني، وعلى بُعد خطوات من السور الإسماعيلي المصنّف تراثًا وطنيا.

مشروع يبدو بسيطًا في هندسته، لكنه فجّر أسئلة عميقة حول حدود التعامل مع الموروث الحضاري للمدينة.

الساكنة، وهي ترى الآليات تقتحم فضاءً ذا حمولة رمزية، عبّرت عن رفضها عبر بيانات واحتجاجات، معتبرة أن استمرار الأشغال رغم الاعتراضات السابقة ليس سوى تكريس لمنطق الاستهتار بالقوانين المنظمة لحماية المواقع التاريخية.

بل أكثر من ذلك، فإن الفعاليات المحلية تساءلت عن معنى أن تُدرج ساحة لالة عودة في برنامج ملكي لتثمين المدينة العتيقة، ثم تُحوَّل في غفلة إلى ملعب إسمنتي ضيق.

المدافعون عن المشروع برّروا الخطوة بغياب أوعية عقارية مهيأة داخل جماعة المشور الستينية، وقالوا إن مساحة الملعب (20×40 متر) لا تشكّل تهديدًا لجمالية الساحة.

لكن هذه المرافعة، في نظر المعارضين، لا تقنع؛ لأن ما هو مطروح ليس سؤال العقار بل سؤال القيمة: هل يجوز أن يُختزل تاريخ قرون في وظيفة رياضية عابرة؟ وهل يُقاس التراث على تجارب أخرى حيث جرى تطويع الأسوار التاريخية لأغراض ظرفية؟

الجدل إذن يكشف تناقضًا في السياسات العمومية: ملايين صُرفت لتأهيل المدينة العتيقة، وخطاب رسمي يتغنى بالتثمين، لكن الواقع يترجم اختيارات مرتجلة.

الظهير الشريف 1.80.341 المتعلق بحماية التراث واضح في منع أي تغيير بمحيط المعالم المصنفة، ومع ذلك يستمر الورش في تحدٍّ صريح للنص القانوني.

بين رغبة الساكنة في الحفاظ على ذاكرتها الجماعية، وحاجة الشباب إلى فضاءات رياضية، تظل المسؤولية ملقاة على عاتق وزارة الثقافة ووزارة الداخلية.

فإما تدخل عاجل يوقف الأشغال ويعيد الاعتبار للتراث كقيمة عليا، أو تكريس واقع جديد يُحوّل ساحة لالة عودة من فضاء رمزي إلى مجرد ملعب قرب، في واحدة من أكثر صور المفارقة إيلامًا لمدينة إسماعيلية حملت عبر التاريخ لقب “العاصمة العتيقة”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version