مع اقتراب استحقاقات 2026، تحاول الأحزاب السياسية أن تعطي الانطباع بأنها في سباق إصلاحي كبير، وأنها تُعدّ لانتخابات “مختلفة” شكلاً ومضموناً.

خطاب الملك في عيد العرش كان بمثابة إشارة انطلاق، لكن ما تلا الخطاب سرعان ما تحوّل إلى سباق محموم حول من يودع المذكرة أولاً، ومن يملك لغة أكثر زخماً في الحديث عن النزاهة والشفافية.

وزارة الداخلية، بقيادة عبد الوافي لفتيت، فتحت الباب، والأحزاب دخلت بدورها، لكنها لم تدخل بثقلها السياسي بقدر ما دخلت بأوراق تقنية تُشبه إلى حد بعيد توصيات متكررة من عقود سابقة.

في الظاهر، تبدو الصورة دينامية سياسية واسعة، مقرات حزبية تتحول إلى ورشات عمل، اجتماعات حضورية وعن بُعد، مذكرات مليئة بالعناوين الكبرى: تحديث اللوائح، تقطيع عادل، مشاركة النساء والشباب ومغاربة العالم، ضبط المال الانتخابي، رقمنة المحاضر.

لكن خلف هذا الزخم اللفظي، يلوح السؤال الحقيقي: هل هذه المذكرات تملك قوة إلزامية، أم أنها مجرد أوراق تُعلّق على رفوف الداخلية ثم يُطوى الملف بصفقة سياسية مغلقة؟

التقدم والاشتراكية صاغ مذكرة شاملة تتحدث عن الثقة كمفتاح لإصلاح الانتخابات، والعدالة والتنمية ركّز على تحييد أعوان السلطة والمال الانتخابي، والحركة الشعبية أضافت جرعة من الإنصاف الجهوي، بينما الاستقلال أعاد تدوير تجربته السابقة مع تعديل بسيط مستند إلى إحصاء 2024.

كلها مقترحات متناسقة في ظاهرها، لكنها لا تجيب عن المعضلة الأساسية: ما جدوى تقطيع ديمغرافي أو رقمنة محاضر، إذا كان الناخب أصلاً لا يرى نفسه داخل العملية السياسية؟

المفارقة أن النقاش الحزبي ينصرف إلى هندسة النصوص، بينما الأزمة أعمق: عزوف انتخابي يتفاقم، شبكات المال التي تعرف كيف تتسلل إلى اللوائح مهما اشتدت الرقابة، وضعف الأحزاب نفسها أمام سلطة الإدارة. المواطن الذي يعاني غلاء المعيشة وجفاف الحقول لا تعنيه “المنصات الرقمية للتمويل”، بل يريد أن يعرف هل صوته سيُحتسب حقاً، وهل النائب الذي يصل إلى البرلمان سيعود يوماً إلى دائرته.

الأحزاب اليوم لا تدافع فقط عن “إصلاح” انتخابي، بل تدافع ضمناً عن وجودها. فانتخابات 2026 ستكون بالنسبة لكثير منها معركة بقاء، ليس لأن القوانين ستتغير بالضرورة، بل لأن المشهد السياسي كله مهدّد بفقدان ما تبقى من شرعيته التمثيلية. لذلك، تبدو هذه المذكرات أقرب إلى محاولة تحصين مواقع قبل أي شيء آخر: أوراق مكتوبة بروح تقنية لكنها مسكونة بالخوف من الغد.

إذا كان الرهان الحقيقي هو إعادة الاعتبار للسياسة، فإن المطلوب ليس فقط مذكرات حزبية أنيقة، بل إرادة صلبة لفتح اللعبة الانتخابية على مصراعيها: انتخابات بلا مال متحكم، بلا هندسة مسبقة، بلا أحزاب تُدار كملحقات انتخابية، وبلا برلمان يتحوّل بعد التصويت إلى قاعة فارغة.

وإلا فإن 2026 لن تكون محطة مفصلية كما يقال، بل مجرد نسخة جديدة من انتخابات قديمة، تتغير فيها العناوين لكن تبقى نفس النتيجة: مؤسسات بلا وزن وشعب بلا ثقة.

وفي النهاية، يبان أن الأحزاب كتكتب مذكرات باش توري أنها حاضرة، والداخلية كتجمع الأوراق باش توري أن الحوار مفتوح، لكن المواطن باقي كيشوف اللعبة من بعيد ويقول: “إيوا الله يجعلها انتخابات ديال الشعب ماشي انتخابات ديال الكراسي… راه المذكرات ما كتسقّيش العطشان ولا كتسد الخصاص فالثلاجة.”

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version