تستعد وزارة الداخلية لفتح جولة جديدة من المشاورات التفصيلية مع الأحزاب السياسية حول مضامين المذكرات التي رفعتها بشأن التعديلات المرتقبة في المنظومة الانتخابية.

هذه الجولة، المقررة خلال شتنبر، تأتي في سياق سباق محموم لوضع الصيغة النهائية لمشاريع القوانين قبل إحالتها على البرلمان، حتى تُعرض ضمن أجندة حكومية مثقلة، يتصدّرها مشروع قانون مالية 2026 الذي يفرض الدستور تقديمه قبل 20 أكتوبر.

كشفت مصادر إعلامية أن الوزارة تعوّل على تسريع وتيرة هذه النقاشات لإعداد نصوص مؤطرة، لكن الجدل الحقيقي يتجاوز الجانب التقني ليصطدم بسؤال سياسي أعمق: ما مصير “لائحة الشباب”؟ أحزاب تصرّ على عودتها باعتبارها وسيلة لضمان تمثيلية الأجيال الصاعدة، وأخرى تراها مجرّد ريع انتخابي يكرّس التبعية ويعرقل اندماج الكفاءات الشابة في الميدان المحلي.

غير أن التاريخ القريب يكشف أن هذا النقاش ليس جديداً. فمنذ 2011، تاريخ اعتماد اللائحة الوطنية لأول مرة، تحولت إلى بوابة مثيرة للجدل: قلة من الأسماء استطاعت أن تترك أثراً، بينما الأغلبية اندثرت مع انتهاء الولاية. في انتخابات 2016 تكرّر المشهد، إذ برزت بعض الوجوه دون رصيد سياسي حقيقي.

أما في 2021، فجرى إلغاء اللائحة تحت شعار “دمج الشباب في اللوائح المحلية”، غير أن معظم الأحزاب أعادت إنتاج نفس الوجوه التقليدية، تاركة الشباب على الهامش.

الخلاصة واضحة: تجربة اللائحة الوطنية لم تُنتج نخباً سياسية متجذّرة بقدر ما خلقت وجوهاً موسمية اختفت مع نهاية الولاية.

شباب كثيرون وجدوا أنفسهم مجرد أرقام على لوائح وطنية، بلا قاعدة شعبية ولا قدرة على قيادة النقاش العمومي. ومع ذلك، ما تزال بعض القيادات الحزبية تدافع عن هذا “الممر الآمن” وكأنه صمام أمان لإعادة تدوير نفس الأسماء المحظوظة داخل المكاتب السياسية.

الأدهى أن لائحة الشباب لم تعد مجرد أداة لتأمين تمثيلية، بل تحولت إلى ورقة تفاوضية بين الأحزاب ووزارة الداخلية. البعض يطالب بها ليقايض بها في ملفات أخرى، والبعض الآخر يرفضها ليظهر بمظهر الحزب الحداثي، بينما جوهر النقاش الحقيقي حول تجديد النخب يظل غائباً.

في نهاية المطاف، تصبح اللائحة أشبه بعملة سياسية تُصرف في كواليس التوافقات أكثر مما تعبّر عن إرادة الشباب أنفسهم.

الحقيقة أن التمكين السياسي للشباب لا يكون بمقاعد محجوزة تشبه بطاقة عبور مجانية إلى البرلمان، بل بفتح اللوائح المحلية أمامهم، وتغيير آليات الانتقاء داخل التنظيمات نفسها. من دون ذلك، سيبقى “الشباب” مجرد ديكور انتخابي لتلميع صورة أحزاب ترفض تجديد دمائها من الداخل.

امتحان 2026 إذن لن يُقاس فقط بتقنيات الاقتراع، بل بمدى قدرة الفاعلين على كسر حلقة الريع السياسي، وإعادة بناء الثقة بين الناخبين ومن يُفترض أنهم ممثلوهم.

والسؤال يظل معلقاً: هل تملك الأحزاب شجاعة القطع مع الماضي، أم أنها ستكتفي بتسويق الوهم تحت عناوين براقة؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version