تعودنا في كل محطة انتخابية أن يطلّ علينا حزب أو أكثر بمذكرة إصلاحية، لكن الغريب أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو لغة الأرقام: رفع الدعم، زيادة التعويضات، توسيع الامتيازات.
هذه المرة، المشهد تجسده وصفة انتخابية على المقاس، تبدأ من الدعم المضاعف وتصل إلى الصناديق المرقمنة، حيث يقترح أحد الأحزاب رفع الدعم العمومي المخصص للمشاركة في الانتخابات من 75 مليون سنتيم إلى 200 مليون سنتيم، مع تقسيمه على دفعتين: تسبيق قبل الاقتراع والباقي بعد المصادقة على التقارير المحاسباتية.

كشفت مصادر إعلامية أن هذه الصيغة تبدو في ظاهرها دعماً للتنافس السياسي، لكنها في عمقها تفتح الباب أمام السؤال الجوهري: ما الجدوى من ضخ المزيد من المال العام في ماكينة حزبية فقدت ثقة المواطن، ولم تُثبت في صناديق الاقتراع أنها قادرة على تجديد النخب أو صناعة عرض سياسي جديد؟

النقاش حول الزيادة في التمويل ليس معزولاً، بل يتقاطع مع مقترحات أخرى شبيهة: من أصوات تطالب بزيادة عدد البرلمانيين، إلى دعوات لرفع تعويضات المنتخبين.
وكأن السياسة في المغرب اختُزلت في سباق محموم نحو “ميزانية أكبر” بدل أن تكون ساحة للتنافس حول الأفكار والبرامج.

في بلد يعاني من أزمات بنيوية: عطش في القرى، بطالة خانقة وسط الشباب، ومديونية عمومية تناهز 970 مليار درهم، يصبح من المشروع التساؤل: أي رسالة توجهها الأحزاب للمواطن حين تطالب بالمزيد من المال العام بينما لا تقدّم مردودية سياسية ملموسة؟

المفارقة أن نفس المذكرات الحزبية التي تشدد على إجبارية التصويت وربطها بالدستور، تتجاهل واجبها الأول: إقناع المواطن بجدوى العملية السياسية. فالتصويت قد يصبح إجبارياً بالقانون، لكن الثقة لا تُفرض، والشرعية لا تُشترى بالدعم العمومي.

الفاعلون قد يعتبرون أن رفع الدعم يضمن المساواة بين الأحزاب ويشجع التنافس، لكن واقع الممارسة يثبت أن المال العمومي لم يمنع من إعادة إنتاج نفس الوجوه ونفس الخطابات منذ عقدين على الأقل.

الخطورة في النهاية أن تتحول السياسة إلى مجرد إدارة مالية: توزيع دعم، اقتسام مقاعد، تقسيم تعويضات. بينما تظل “المحدودية السياسية” كما هي: غياب الجرأة على تقديم مشروع مجتمعي، وإرادة حقيقية لإصلاح الأعطاب العميقة التي تضع المغرب في مفترق طرق خطير.

فالزيادة في التمويل بلا مردودية سياسية لا تعني سوى شيء واحد: تكريس العزوف، وإقناع المواطن بأن اللعبة الحزبية مجرد سوق مفتوحة على حساب المال العام.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version