لم يكن الحزب الاشتراكي الموحد يوماً من الأحزاب التي ذاقت طعم السلطة أو اقتسمت كعكة الحكومة، بل ظل دائماً في الهامش السياسي، مهمَّشاً عن دوائر القرار، لكنه لم يتنازل عن مواقفه ولا ساوم على مبادئه. واليوم، وهو يضع مذكرته حول إصلاح الإطار القانوني للانتخابات، يبرهن مرة أخرى أن المعارضة يمكن أن تكون صوتاً للوطن لا مجرد موقع انتخابي.
في المذكرة، دعا الحزب إلى إصلاح عميق يبدأ بإلغاء اللوائح الانتخابية الحالية واعتماد التسجيل التلقائي المبني حصراً على البطاقة الوطنية، باعتبارها الأداة الأدق لضمان الشمولية والشفافية، مع المطالبة بتعميم الحصول عليها في القرى والجبال حتى لا يُحرم أي مواطن من حقه الدستوري في التصويت.
كما شدّد الحزب على أن التقطيع الانتخابي الحالي يكرّس التفاوتات ويضعف التمثيل العادل، مقترحاً أن تتحول المدن الكبرى إلى دوائر موحدة بمعدل مقعد لكل مائة ألف نسمة، بينما يتم اعتماد دوائر إقليمية في المناطق الأقل كثافة بمعدل مقعد لكل 75 ألف نسمة. مقترحات قد تبدو مثالية، لكنها في جوهرها تعكس مطلب العدالة المجالية والإنصاف السياسي.
الأكثر جرأة في مذكرته هو دعوته إلى خفض سن الترشح إلى 18 سنة، واشتراط شهادة الإجازة لتحمّل المسؤوليات داخل البرلمان، وربط الترشح والنزاهة بآليات صارمة لمحاربة الفساد السياسي والإثراء غير المشروع. إنها صيغة لإعادة الثقة في السياسة، لا عبر الشعارات ولكن عبر هندسة قانونية واضحة.
يبقى السؤال معلقاً: إذا ما قُدِّر للحزب الاشتراكي الموحد أن يصعد إلى مواقع القرار، هل سيظل وفيّاً لمبادئه التي صاغها اليوم من موقع التهميش؟ وهل ستبقى هذه المذكرة مجرد وثيقة للضغط الأخلاقي أم ستتحول غداً إلى مشروع إصلاحي حقيقي؟
لكن ما لا جدال فيه هو أن هذا الحزب، رغم إقصائه المتكرر من معادلات الحكم، يظل صوته واحداً من الأصوات القليلة التي تُصر على أن الديمقراطية ليست صندوقاً فحسب، بل قواعد نزيهة وشفافة تحمي الوطن من العبث.