مقطع فيديو صادم من المستشفى الإقليمي بالمضيق كشف أجنحة شبه فارغة من الأطر الصحية والموظفين.
مشهد لم يعد استثناء، بل صار قاعدة تتكرر من الشمال إلى الجنوب: مؤسسات تنهار في صمت، ووزارة تتحدث عن “إصلاحات كبرى” بينما الواقع يقدم شهادة معاكسة.
في أكادير، أعلنت فعاليات مدنية ونقابية عن خوض وقفة احتجاجية إنذارية أمام المستشفى الجهوي، استنكاراً لما وصفته بالوضع “المهين” الذي يعيشه القطاع الصحي.
غضب جماعي عبّر عن سئم الساكنة من أعطاب التجهيزات، نقص الأدوية، وغياب التخصصات الحيوية.
أما في الصويرة، فقد خرجت فعاليات مدنية ونقابية وسياسية ومهنية ببيان شديد اللهجة أعلنت فيه وقفة احتجاجية أمام المستشفى الإقليمي يوم 2 شتنبر 2025.
البيان حذّر من أن استمرار الإهمال قد يقود إلى كارثة إنسانية تمس حياة وكرامة المواطنين.
المستشفيات اليوم عاجزة عن تلبية أبسط الحاجيات: أقسام مستعجلات بلا معدات، أجهزة سكانير وآلات كشف عن الأورام معطلة منذ أشهر طويلة، تخصصات حيوية مثل النساء والتوليد أو الطب الشرعي غائبة، وأطباء العظام والأحشاء يغيبون بشكل متكرر.
هذا الوضع يدفع المرضى إلى اللجوء إلى المصحات الخاصة رغم هشاشة أوضاعهم الاقتصادية.
الأزمة لا تتوقف عند الأطر والتجهيزات، بل تمتد إلى الأدوية واللقاحات الأساسية، خصوصاً الخاصة بالأمراض المزمنة كالسكري والاضطرابات النفسية.
في الصويرة مثلاً، سُجل غياب مركز لتحاقن الدم بمعايير ملائمة، واستمرار توقف الأشغال بالمركز الاستشفائي بتمنار منذ مدة طويلة، في وقت ترتفع فيه حالات الوفاة جراء لسعات العقارب والأفاعي.
إلى جانب ذلك، لا يخفى غياب الأمن داخل المؤسسات الصحية، حيث يتعرض العاملون والمرتفقون لاعتداءات تمس سلامتهم الجسدية والنفسية.
أما حضور أطباء القطاع العام بالمستشفيات العمومية فقد صار استثناء، بينما وجودهم في المصحات الخاصة أصبح القاعدة.
وزير الصحة والحماية الاجتماعية يجد نفسه في قلب هذه العاصفة.
رجل قادم من عالم المال والصفقات، وُضع في منصب لا علاقة له بتكوينه، على أمل أن “يطوّر المنظومة” بالمنطق المقاولاتي.
لكن النتيجة أمام أعين الجميع: منظومة متصدعة، أطر منهكة، مرضى مكدّسون، وملايير تُصرف بلا أثر ملموس.
هل يُعقل أن بلداً يستعد لتنظيم كأس العالم 2030 يعجز عن توفير سكانير أو مصلحة ولادة في مستشفى إقليمي؟
القضية إذن لم تعد محلية ولا تقنية، بل صارت عنواناً لأزمة وطنية أعمق.
من المضيق إلى أكادير، مروراً بالصويرة، يتكرر نفس السيناريو الذي يكشف حدود السياسات الصحية القائمة.
السؤال اليوم: هل نريد منظومة صحية عمومية تحفظ كرامة المواطن، أم مجرد ورش للصفقات ومشاريع معلّقة؟
الجواب، للأسف، صار واضحاً في عيون كل مريض يدخل باب مستشفى عمومي ويخرج بخيبة أمل أكبر من وجعه.