خُصّصت اعتمادات مالية معتبرة من المال العام لدعوة صناع محتوى من العالم العربي وإفريقيا جنوب الصحراء في جولة داخل الملاعب المغربية التي ما تزال في طور الإنجاز.

الهدف المعلن: تسويق صورة المملكة كقوة رياضية صاعدة والترويج للبنية التحتية قبيل المونديال.

لكن خلف الواجهة البراقة، يطرح السؤال الحارق: من يدفع فعلياً فاتورة هذا الانبهار؟

الجواب بسيط: المواطن.

فالأموال التي تُصرف بسخاء على تذاكر السفر والإقامة والاستقبال مصدرها جيوب دافعي الضرائب.

كشفت مصادر إعلامية أن جزءاً مهماً من هذه المصاريف جرى تغطيته من ميزانيات عمومية كان بالإمكان توجيهها إلى قطاعات أكثر إلحاحاً، كالصحة والتعليم والبنيات الاجتماعية.

هنا يظهر العرّاب، وهو يوجّه بوصلة الإنفاق نحو ما يصنع الصورة ويُلهي الرأي العام، أكثر مما يُعالج الأعطاب البنيوية.

لم تعد الملاعب مجرد فضاءات رياضية.

إنها واجهة سياسية وإعلامية، تحوّلت إلى محتوى قصير العمر على المنصات الرقمية.

المؤثرون يملكون قدرة على الوصول إلى جماهير واسعة، لكن هذا الوصول يتموّل من المال العام الذي كان يفترض أن يوجَّه إلى أولويات أكثر إلحاحاً.

وسط هذا الزخم، تجد الصحافة المغربية نفسها محاصرة.

إما أن تنغلق على نموذجها التقليدي معتبرة أن سلطة القلم كافية، أو أن تواكب التحول الرقمي بأدوات جديدة، تجمع بين سرعة الوصول وعمق التحليل.

الخطر أن يتحوّل الصحفي إلى مجرد متفرج على فيديوهات المؤثرين، بدل أن يكون هو من يفتح النقاش العمومي حول التكلفة، الجدوى، وأولويات الصرف.

فالعرّاب يراهن على سطوة الخوارزميات، لكن دور الصحافة كان وسيظل أعمق: مساءلة السلطة، لا صناعة الانبهار.

في النهاية، يبقى السؤال قائماً: هل نريد صناعة جمهور مبهور بالمدرجات، أم مواطناً واثقاً بأن ضرائبه تُصرف في ما ينفعه؟

بين بريق الصورة وصمت المؤسسات، يظل العرّاب مهندساً بارعاً في إدارة الانتباه، لكن التاريخ يُسائل دوماً: من دفع الفاتورة؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version