أعلنت وكالة التنمية الفلاحية عن صفقة جديدة بقيمة 2.799.000 درهم مع شركة لا يتجاوز رأسمالها 25 مليون سنتيم، من أجل تنفيذ “حملة توعية للفلاحين حول أفضل الممارسات”. على الورق، قد تبدو الخطوة ذات طابع إيجابي، لكن على أرض الواقع تُطرح أسئلة مشروعة حول جدواها.

فالفلاح الصغير، الذي كان ولا يزال الركيزة الأساسية للفلاحة المغربية، ليس في حاجة إلى مطويات ملوّنة ولا ندوات مكيفة، بل إلى أبسط شروط الاستمرار: ماء يسقي به أرضه وماشيته، دعم مباشر يخفف عنه عبء غلاء الأعلاف، وبنية تحتية تُمكّنه من نقل منتوجه إلى الأسواق.

غير أن الواقع يكشف مفارقة صارخة؛ فالملايين تُنفق اليوم على الدراسات والحملات والمعارض والصفقات الغامضة، بينما قرى ودواوير بأكملها ما زال سكانها يقطعون الكيلومترات حفاة أو يحملون السطول فوق رؤوسهم لجلب القليل من الماء الصالح للشرب. والمشهد يزداد وضوحاً حين نرى أن المغرب العميق يعيش على وقع العطش، فيما المؤسسات العمومية تصرف الملايين على حملات لا تصل إلى من يفترض أنهم المستفيدون.

الأدهى أن الوكالة ترفع شعار “توعية الفلاحين”، لكن السؤال الجوهري: عن أي فلاح تتحدث؟ هل هو الفلاح البسيط في أعالي الجبال والقرى النائية، الذي لا يجد حتى بئراً صالحاً للاستعمال؟ أم هو “فلاح المشاريع الكبرى” المرتبط بالاستثمارات الضخمة والمونديال، الذي تتوفر له الضيعات المسقية والولوج إلى مختلف أشكال الدعم؟

هكذا يتجلى التناقض: فلاح عطشان مهمَّش في الدوار، وفلاح كبير يملك كل المقومات ولا يحتاج أصلاً إلى “حملات للتوعية”.

ويبقى السؤال الأهم:
ألم يكن بالإمكان أن تُوجَّه 2.8 مليون درهم لحل أزمة الماء في عشرات الدواوير؟ أو لدعم التعاونيات الصغرى التي تئن تحت وطأة الغلاء؟ أو لإنقاذ قطعان صغار المربين التي ضاعت في سنوات الجفاف؟ لكن الاختيار كان الطريق الأسهل: حملة تواصلية تنتهي في صور دعائية وبلاغات رسمية.

إن التنمية الفلاحية الحقيقية لا تُبنى في القاعات ولا في الصفقات، بل في الحقول العطشى. ولا تتحقق بالشعارات البراقة، بل بقطرة ماء صافية تصل إلى أرض الفلاح الصغير.

اليوم، العطش وحده كفيل بأن يلقّن الدرس الأبلغ: الفلاحة لا تحتاج إلى محاضرات نظرية، بل إلى ماءٍ يجري في السواقي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version