في الوقت الذي لم يعد يفصل المغرب عن الانتخابات التشريعية سوى أسابيع معدودة، خرجت وزارة الاقتصاد والمالية لتعلن عن اجتماع مرتقب للجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد يوم 18 شتنبر الجاري.

خطوة تبدو للوهلة الأولى تقنية، لكنها في العمق تفتح الباب أمام سؤال أعمق: لماذا كل الإصلاحات الجوهرية لا تُطرح إلا في الزمن السياسي الميت، أي في الدقائق الأخيرة من عمر الحكومة؟

كشفت مصادر نقابية أن الوزيرة نادية فتاح باشرت اتصالات مع النقابات الأكثر تمثيلية، وقدمت لها دعوات رسمية للحضور، في جدول أعمال يتضمن تحليل وضعية الصناديق وتدارس أسباب أزمتها.

غير أن هذا الحماس المفاجئ يوحي أكثر بعملية “تجميل انتخابي” منه إلى إرادة إصلاحية حقيقية. فالمشهد مألوف: الحكومة تستعرض انفتاحها، النقابات تعلن اصطفافها إلى جانب الأجراء، ثم يرحل الملف إلى رفوف الانتظار حتى إشعار آخر.

النقابات من جهتها تردّد على مسامع منخرطيها لازمة ثابتة: “لن يتحمل الأجير تبعات الإصلاح”. لكن الواقع يؤكد أن هذه المركزيات فقدت الكثير من وزنها التفاوضي، وأصبحت تكتفي بخطاب مطاطي يترك لها منفذاً للهروب بأقل الخسائر. بين حكومة تبحث عن كسب الوقت، ونقابات منشغلة بتلميع صورتها، يضيع المتقاعدون والمأجورون في حلقة مفرغة عنوانها: “انتظروا ما بعد الانتخابات”.

المفارقة أن اللجنة التقنية، التي يُفترض أن تقدم حلولاً عاجلة، ليست سوى نتاج اتفاق سابق يعود إلى يوليوز الماضي. أي أن كل ما يحصل الآن هو إعادة تدوير قرارات مؤجلة، في انتظار أن تُرفع التقارير إلى اللجنة الوطنية للتقاعد، التي بدورها لن تحسم في شيء قبل أن يقول صندوق الاقتراع كلمته.

الأدهى من ذلك أن الحكومة والنقابات معاً يتعايشان مع الدستور في حدوده الشكلية فقط؛ فالفصل 8 يربط الحوار الاجتماعي بمبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة، غير أن الممارسة اليومية تجعل النص مجرد مرجع للتزيين.

النقابات تُلوّح به في خطاباتها، والحكومة تستشهد به في بياناتها، بينما الواقع يعكس تقاسماً صامتاً للأدوار: حكومة تُجيد فن “الوقت بدل الضائع”، ونقابات تُتقن دور “المعارض المساند”. أما المواطن، فهو المتفرج الدائم على مشهد يتكرر منذ عقدين: إصلاحات معلّقة، ووعود مؤجلة، وحياة تُستنزف بالاقتطاعات.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version