مع اقتراب استحقاقات 2026، يتكرّس المشهد الحزبي كفضاء لتوريث الامتيازات أكثر مما هو ساحة لتنافس الكفاءات.

لوائح الترشيحات لم تعد تُبنى على نضال القواعد ولا على تراكم التجارب، بل على شجرة العائلة: ابنٌ يتقدّم، صهرٌ يُزكّى، و”قريبة” تُدفع إلى الواجهة، في مشهد يختزل الأزمة في أبشع صورها.

القواعد التي حملت الأحزاب لعقود تشعر اليوم بأنها أُقصيت لصالح شبكة من القرابات والمصالح. النتيجة: انقسام داخلي، فقدان البوصلة التنظيمية، وتعميق الهوة بين الناخبين والعملية السياسية برمّتها.

فما قيمة نضال السنين إذا كان المقعد يُحجز سلفاً باسم الوراثة؟

وفي خلفية هذا المشهد، تتفاقم المفارقة المؤلمة: تضخم عدد النواب وامتيازاتهم في مقابل تردّي الخدمات العمومية. الصحة تتذيّل التصنيفات الدولية، والمدرسة العمومية تُطحن في رُكام الاكتظاظ وضعف الجودة. الحكومة تروّج “إصلاحات كبرى”، والمعارضة تكتفي بخطاب الاعتراض، غير أن الاثنين يلتقيان في التواطؤ الصامت على واقع التدهور.

أما النقابات، فقصتها لا تقل التباساً: كيان كان يفترض أن يكون حصناً للشغيلة، فإذا به يتأرجح بين الجلوس إلى طاولة الحكومة، والتفاهم مع “الباطونا”، ورفع شعارات لا تجد امتداداً في حياة العمال. أهي نقابات تمثل العمال حقاً، أم وسائط فقدت شرعيتها حين فقدت استقلاليتها؟

إنها صورة مأساوية لمشهد سياسي واجتماعي منكسر: برلمان يتوسع بلا جدوى، أحزاب توزّع المقاعد كأنها إرث عائلي، نقابات بلا بوصلة، وخدمات أساسية تُساق إلى الهاوية.

الحقيقة أن توريث المقاعد ليس إلا الوجه السياسي لانهيار الوسائط جميعها: حزب فقد وظيفته التأطيرية، نقابة نسيت رسالتها، وحكومة أضاعت بوصلتها.

وإذا كان تجديد النخب مدخلاً إلى الديمقراطية، فإن انتخابات 2026 تنذر بأن تكون استنساخاً للقديم، مع عناوين جديدة تخفي أعطاباً قديمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version