ألهبت كلمة ناصر الزفزافي من على سطح منزله بالحسيمة مشاعر المشيعين الذين حجّوا لتشييع جثمان والده، أحمد الزفزافي، الذي غيّبه الموت بعد صراع طويل مع السرطان. لم تكن الكلمة مجرد لحظة عزاء، بل تحوّلت إلى حدث سياسي بكل المقاييس، لحظة نادرة اجتمع فيها الحزن والرمزية والرسائل المشفّرة.
قال ناصر، وهو يستقبل المعزين: «لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن». وحدد الوطن بصرامة: «صحراؤه، شماله، جنوبه، وشرقه». كلمات بدت كجواب غير مباشر على كل من وصفوا حراك الريف بالانفصال، وكأن الرجل أراد أن يعلن أن الوطنية ليست شعارًا يُحتكَر، بل فعل انتماء حيٌّ يُدفع ثمنه من الحرية ومن الجسد.
اعتبر عدد من الحاضرين أن الكلمة لم تُلقَ من أجل الوداع فقط، بل حملت دعوة صريحة للدولة من أجل طيّ صفحة عمرت أكثر من ثماني سنوات. مؤكدين أن ما قاله ناصر يستلزم ردًّا إيجابيًا عاجلًا: عفو ملكي شامل يعيد الأمل ويغلق الجرح.
المفارقة المؤلمة أن أحمد الزفزافي مات بالمرض نفسه الذي جعل ابنه ورفاقه يصرخون قبل سنوات من أجل مستشفى لعلاج السرطان بالحسيمة. وكأن قدر الرجلين أراد أن يثبت أن المطالب لم تكن نزوة سياسية، بل حقًّا بسيطًا في الحياة.
من الدار البيضاء إلى مواقع التواصل، ارتفعت الأصوات تطالب بالمصالحة والإفراج. كثيرون اعتبروا أن الزفزافي، بكلمته، قدّم للدولة فرصة لا تُعَوّض: فرصة لإطلاق لحظة تاريخية تعيد الثقة وتفتح الباب أمام جيل جديد من الإنصاف.
لكن السؤال الذي يتردّد بين السطور: هل ستلتقط الدولة هذه الإشارة، أم ستتركها تتبخر كما تبخرت مبادرات سابقة؟
وهنا تبرز المقارنة: فقبل سنوات، مُنح خالد عليوة، المدير العام الأسبق للقرض العقاري والسياحي، رخصة استثنائية لأربعة أيام لحضور جنازة والدته، قبل أن تتحول متابعته إلى حالة سراح.
فهل يمكن أن يتكرر السيناريو مع ناصر الزفزافي، الذي خرج بدوره برخصة استثنائية لوداع والده؟ أم أن ملف الريف ما زال يُعامل كجرح خاص لا يُشبه غيره، يُدار بمنطق الصرامة لا بمنطق الإنفراج؟
الريف شيّع أباه، لكن الوطن بأكمله كان يستمع إلى الابن وهو يخاطبه من فوق السطح. لحظة إنسانية تحولت إلى امتحان سياسي: هل نُدفن مع أحمد الزفزافي سنوات من الاحتقان، أم نستمر في تدوير الألم جيلا بعد جيل؟ وهنا تكمن رمزية العنوان: الوطنية التي أعلنها الزفزافي من فوق السطح، تحوّلت إلى امتحان للإنصاف، في مقارنة صريحة مع ملفات أخرى، أبرزها ملف عليوة.